ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان، فتسمي من أحبت باسمه، فيلحق به ولدها ولا يستطيع أن يمتنع به الرجل.
والنكاح الرابع: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها، وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علماً، فمن أردهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها، جمعوا لها و دعوا لها القافة - جمع قائف، وهو الذي يعرف شبه الولد بالوالد بالآثار الخفية - ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاطه به - أي استلحقه به - ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك.
فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق، هدم نكاح الجاهلية كله، إلا نكاح الناس اليوم. الفتح مع الصحيح (9/ 88 - 89).
وقد أقر الإسلام ما نتج عن تلك الأنكحة من أنساب، وفي ذلك يقول ابن الأثير: فلما جاء الإسلام .. أقر كل ولد ينسب إلى أب من أي نكاح من أنكحتهم على نسبه، ولم يفرق بين شيء منها. الكامل في التاريخ (3/ 445).
وأما الذراري الذين جاء الإسلام وهم غير منسوبين إلى آبائهم - كأولاد الزنى - فقد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أبو داود بإسناده قال: قام رجل فقال: يا رسول الله إن فلاناً ابني، عاهرت - أي زنيت - بأمه في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش، وللعاهر الحجر. صحيح سنن أبي داود (2/ 430).
أما القول إن سبب سكوت أبي سفيان رضي الله عنه من ادعاء زياد هو خوفه من شماتة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انظر القصة في الاستيعاب لابن عبد البر (2/ 525). فهذا القول مردود بما يلي:-
1 - إن قضية نسب ولد الزنا قد ورد فيها نص شرعي ولم تترك لاجتهادات البشر.
2 - إن الإسلام يجب ما قبله.
3 - إن عمر رضي الله عنه توفي قبل أبي سفيان رضي الله عنه، فلماذا لم يدّع أبو سفيان زياداً بعد وفاة عمر؟.
4 - إن في إسناد هذا الخبر محمد بن السائب الكلبي، وقد قال عنه ابن حجر: (متهم بالكذب ورمي بالرفض) التقريب (479).
وأما اتهام معاوية رضي الله عنه باستلحاق نسب زياد فإني لم أقف على رواية صحيحة صريحة العبارة تؤكد ذلك، هذا فضلاً عن أن صحبة معاوية رضي الله عنه وعدالته ودينه وفقهه تمنعه من أن يرد قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما وأن معاوية أحد رواة حديث (الولد للفراش وللعاهر الحجر) الفتح (12/ 39).
وبعد أن اتضحت براءة معاوية رضي الله عنه من هذا البهتان فإن التهمة تتجه إلى زياد بن أبيه بأنه هو الذي ألحق نسبه بنسب أبي سفيان، وهذا ما ترجح لدي من خلال الرواية التي أخرجها مسلم في صحيحه من طريق أبي عثمان قال: لما ادعى زياد، لقيت أبا بكرة فقلت: ما هذا الذي صنعتم؟ إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من ادعى أباً في الإسلام غير أبيه، يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام)، فقال أبو بكرة: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. صحيح مسلم بشرح النووي (2/ 51 - 52) والبخاري مع الفتح (12/ 54).
قال النووي رحمه الله معلقاً على هذا الخبر: ( .. فمعنى هذا الكلام الإنكار على أبي بكرة، وذلك أن زياداً هذا المذكور هو المعروف بزياد بن أبي سفيان، ويقال فيه: زياد بن أبيه، ويقال: زياد بن أمه، وهو أخو أبي بكرة لأمه .. فلهذا قال أبو عثمان لأبي بكرة: ما هذا الذي صنعتم؟
وكان أبو بكرة رضي الله عنه ممن أنكر ذلك وهجر بسببه زياداً وحلف أن لا يكلمه أبداً، ولعل أبا عثمان لم يبلغه إنكار أبي بكرة حين قال له هذا الكلام، أو يكون مراده بقوله: ما هذا الذي صنعتم؟ أي ما هذا الذي جرى من أخيك ما أقبحه وأعظم عقوبته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حرم على فاعله الجنة). شرح صحيح مسلم (2/ 52).
¥