تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

آخرون معه و أراد أن يقيم الخلق للفتنة، فكتب زياد إلى معاوية يشكو بغي حجر على أميره في بيت الله، وعدّ ذلك من الفساد في الأرض، فلمعاوية العذر، و قد كلمته عائشة في أمره حين حج، فقال لها: دعيني و حجراً حتى نلتقي عند الله، و أنتم معشر المسلمين أولى أن تدعوهما حتى يقفا بين يدي الله مع صاحبهما العدل الأمين المصطفى المكين. انظر هذا الخبر بالتفصيل في العواصم من القواصم لابن العربي (ص 219 - 220) بتحقيق محب الدين الخطيب و تخريج محمود الإستانبولي مع توثيق مركز السنة.

وأما قضاء معاوية رضي الله عنه في حجر رضي الله عنه وأصحابه، فإنه لم يقتلهم على الفور، ولم يطلب منهم البراءة من علي رضي الله عنه كما تزعم بعض الروايات الشيعية، انظر: تاريخ الطبري (5/ 256 - 257 و 275). بل استخار الله سبحانه وتعالى فيهم، واستشار أهل مشورته، ثم كان حكمه فيهم ..

والحجة في ذلك ما يرويه صالح بن أحمد بن حنبل بإسناد حسن، قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو المغيرة - ثقة - قال: حدثنا ابن عياش - صدوق - قال: حدثني شرحبيل بن مسلم - صدوق - قال: لما بُعِث بحجر بن عدي بن الأدبر وأصحابه من العراق إلى معاوية بن أبي سفيان، استشار الناس في قتلهم، فمنهم المشير، ومنهم الساكت، فدخل معاوية منزله، فلما صلى الظهر قام في الناس خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثم جلس على منبره، فقام المنادي فنادى: أين عمرو بن الأسود العنسي، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألا إنا بحصن من الله حصين لم نؤمر بتركه، وقولك يا أمير المؤمنين في أهل العراق ألا وأنت الراعي ونحن الرعية، ألا وأنت أعلمنا بدائهم، وأقدرنا على دوائهم، وإنما علينا أن نقول: {سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} [البقرة /285].

فقال معاوية: أما عمرو بن الأسود فقد تبرأ إلينا من دمائهم، ورمى بها ما بين عيني معاوية. ثم قام المنادي فنادى: أين أبو مسلم الخولاني، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فلا والله ما أبغضناك منذ أحببناك، ولا عصيناك منذ أطعناك، ولا فارقناك منذ جامعناك، ولا نكثنا بيعتنا منذ بايعناك، سيوفنا على عواتقنا، إن أمرتنا أطعناك، وإن دعوتنا أجبناك وإن سبقناك نظرناك، ثم جلس.

ثم قام المنادي فقال: أين عبد الله بن مِخْمَر الشرعبي، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: وقولك يا أمير المؤمنين في هذه العصابة من أهل العراق، إن تعاقبهم فقد أصبت، وإن تعفو فقد أحسنت.

فقام المنادي فنادى: أين عبد الله بن أسد القسري، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين، رعيتك وولايتك وأهل طاعتك، إن تعاقبهم فقد جنوا أنفسهم العقوبة، وإن تعفوا فإن العفو أقرب للتقوى، يا أمير المؤمنين لا تطع فينا من كان غشوماً ظلوماً بالليل نؤوماً، عن عمل الآخرة سؤوماً. يا أمير المؤمنين إن الدنيا قد انخشعت أوتارها، ومالت بها عمادها وأحبها أصحابها، واقترب منها ميعادها ثم جلس. فقلت - القائل هو: اسماعيل بن عياش - لشرحبيل: فكيف صنع؟ قال: قتل بعضاً واستحيى بعضاً، وكان فيمن قتل حجر بن عدي بن الأدبر. انظر الرواية في مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح (2/ 328 - 331).

ومما يجدر التذكير به في هذا المقام أن معاوية رضي الله عنه لم يكن ليقضي بقتل حجر بن عدي رضي الله عنه لو أن حجراً اقتصر في معارضته على الأقوال فقط ولم ينتقل إلى الأفعال .. حيث أنه ألّب على عامله بالعراق، وحصبه وهو على المنبر، وخلع البيعة لمعاوية وهو آنذاك أمير المؤمنين .. ولكن حجراً رضي الله عنه زين له شيعة الكوفة هذه المعارضة، فأوردوه حياض الموت بخذلانهم إياه .. ولا ننسى موقف شيعة الكوفة مع الحسين رضي الله عنه، حين زينوا له الخروج ثم خذلوه كما خذلوا حجراً من قبله، فآنا لله وآنا إليه راجعون ..

وقد اعتمد معاوية رضي الله عنه في قضائه هذا بقتل حجر بن عدي، على قوله صلى الله عليه وسلم: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه). صحيح مسلم بشرح النووي (12/ 242).

وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه ستكون هنات - أي فتن - وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوا بالسيف كائناً من كان). صحيح مسلم بشرح النووي (12/ 241).

ولو سلمنا أن معاوية أخطأ في قتل حجر؛ فإن هذا لا مطعن فيه عليه، كيف وقد سبق هذا الخطأ في القتل من اثنين من خيار الصحابة؛ هما: خالد بن الوليد وأسامة بن زيد رضي الله عنهما.

أما قصة خالد بن الوليد رضي الله عنه مع بني جذيمة، وقولهم صبأنا بدلاً من أسلمنا، فرواها البخاري في صحيحه برقم (4339) من حديث عبد الله بن عمر .. وقول النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) ..

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (13/ 194): وقال الخطابي: الحكمة من تَبرُّئه صلى الله عليه وسلم من فعل خالد مع كونه لم يعاقبه على ذلك لكونه مجتهداً، أن يعرف أنه لم يأذن له في ذلك خشية أن يعتقد أحد أنه كان بإذنه، ولينزجر غير خالد بعد ذلك عن مثل فعله .. ثم قال: والذي يظهر أن التبرأ من الفعل لا يستلزم إثم فاعله ولا إلزامه الغرامة، فإن إثم المخطئ مرفوع وإن كان فعله ليس بمحمود.

وقصة أسامة بن زيد رضي الله عنه مع الرجل الذي نطق بالشهادتين، وقتل أسامه له بعد نطقها، في الصحيحين البخاري برقم (4269، 6872) ومسلم برقم (96) .. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟) .. الحديث

وكل ما جرى من أسامة وخالد ناتج عن اجتهاد لا عن هوى وعصبية وظلم ..

هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

كثيرا

أخوكم / أبو عمر المذحجي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير