على الآخرين , وكان بوذا وقتئذ في الخامسة والثلاثين من عمره فقصد في بادئ الأمر أستاذيه (الارا) و (أودراكا) ولكنه علم بعد , بأنهما قد توفيا , فذهب إلى تلامذته الخمسة من بنارس وأرشدهم وجعلهم من أتباعه , وآمن به أبوه وأمه وزوجته كذلك , ثم أمر زمرة من خواص مريديه أن يقوموا بإرشاد الناس).
فهذه هي خلاصة قصة بوذا , وهي عين ما ذكره الصوفية عن إبراهيم بن أدهم ابن الأمير البلخي الذي طلق الدنيا وتزيّا بزيّ الدراويش , وبلغ درجة أكابر الصوفية برياضته الطويلة , وتلك صورة طبق لأصل لما كانوا قد سمعوه عن حياة بوذا.
ثم علّق عليه الدكتور قاسم غني الباحث الإيراني بقوله:
(وحدس (جولدزيهر) يمكن أن يكون صحيحا وهو من الأحتمالات القريبة من الواقع , وقد شوهدت لها نظائر كثيرة – إلى أن قال -: وإذا ما قارن أحد بين قصة بوذا كما وردت في مدونات البوذيين بقصة إبراهيم بن أدهم ذات الطابع الأسطوري , الواردة في كتب تراجم العارفين مثل (حلية الأولياء) للأصفهاني , و (تذكرة الأولياء) للشيخ العطار وجد شبها عجيبا بين تلك القصتين يستلف نظرة).
هذا وهناك أقوال لإبراهيم بن أدهم وغيره من كبار الصوفية وأقطابهم في الزواج والأولاد تخبر بجلاء عن مواردها ومنابعها , فها هي تلك الأقوال من أهم كتب الصوفية:
ينقل الطوسي والعطار عن إبراهيم بن أدهم أنه قال:
(إذا تزوج الفقير فمثله مثل رجل قد ركب السفينة , فإذا ولد له ولد قد غرق).
ونقل السهروردي عنه أنه قال: (من تعود أفخاذ النساء لا يفلح).
ونقل أبو طالب المكي - وهو من أعلام الصوفية البارزين وأئمتهم المتوفى سنة 386 هـ – عن قطب من أقطاب الصوفية الأوائل عن أبي سليمان الداراني المتوفى سنة 215 هـ:
(من تزوج فقد ركن إلى الدنيا).
ونقل السهروردي في (عوارفه) الذي هو أشهر كتاب في التصوف عن أبي سليمان الداراني أيضا أنه قال: (ما رأيت أحدا من أصحابنا تزوج فثبت على مرتبته).
ونقل المكي عن سيد الطائفة الجنيد البغدادي أنه قال: (أحب للمريد المبتدي أن لا يشغل قلبه بالتزوج).
كما نقل عن بشر بن الحارث أنه قيل له: (إن الناس يتكلمون فيك , فقال: وما عسى يقولون؟ قيل: يقولون: إنك تارك السنة يعنون النكاح.
فقال: قل لهم: إني مشغول بالفرض عن السنة , وقال مرة: ما يمنعني من ذلك إلا آية في كتاب الله تعالى قوله: {ولهن مثل الذي عليهن} , و لعسى أن لا أقوم بذلك , وكان يقول: لو كنت أعول دجاجة لخفت أن أكون جلاداً على الجسر هذا. يقوله في سنة عشرين ومائتين والحلال والنساء أحمد عاقبة , فكيف بوقتنا هذا؟
فالأفضل للمريد في مثل زماننا هذا ترك التزويج).
ويقول السهروردي:
(التزوج انحطاط من العزيمة إلى الرخص , وجوع من الترمح إلى النقص , وتقيدا بالأولاد والأزواج , ودوران حول مظان الاعوجاج , والتفاف إلى الدينا بعد الزهادة , وانعطاف على الهوى بمقتضى الطبيعة والعادة).
ثم نقل حديثا مكذوبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(خيركم بعد المائتين رجل خفيف الحاذ , قيل: يا رسول الله وما خفيف الحاذ؟. قال: الذي لا أهل له ولا ولد. وقال بعض الفقراء - لما قيل له: تزوج -: أنا إلى أن أطلق نفسي أحوج مني إلى التزوج).
وصوفي آخر محمد بن إبراهيم النفزي الرندي المتوفى سنة 792 هـ ينقل عن صوفي قديم آخر , وهو سهل بن عبد الله التستري أنه قال:
(إياكم والاستمتاع بالنساء , والميل إليهن , فإن النساء مبعّدات من الحكمة , قريبات من الشيطان , وهي مصايده وحظه من بني آدم , فمن عطف إليهن بكليته فقد عطف على حظ الشيطان , ومن حاد عنهن يئس منه , وما مال الشيطان إلى أحد كميله إلى من استرق بالنساء , وإن الشر معهن حيث كنّ , فإذا رأيتم في وقتكم من قدركن إليهن فايأسوا منه.
قيل له: فحديث النبي صلى الله عليه وسلم: حبّب إليّ من دنياكم ثلاث , فذكر النساء؟.
فقال: النبي صلى الله عليه وسلم معصوم , وقد بلّغكم ما كان فيه معهن , هي عدوّة الرجل ظاهرا وباطنا , إن ظهرت له لمحبة أهلكته , وإن أضمر تهاله , وإن الله عز وجل جعلهن فتنة , فنعوذ بالله من فتنتهن).
ونقل عن صوفي آخر حذيفة المرعشي المتوفى 207 هـ أنه قال:
¥