ومن ذكر بهم جميعا صعدت روحه إلى الملأ الأعلى , وصعدت روحه إلى العرش , ليكتب عند الله من الكاملين الصديقين).
وقال أفضل الدين:
(لا يعطى أحد القطبية حتى يعرف جميع عوالم هذه العروش والكراسي والسموات والأرضين بأسمائهم وأنسابهم وأعمارهم وأعمالهم).
ونقل الشعراني عن إبراهيم المتبولي أنه قال:
(يرتسم الوجود كله في قلب الفقير (أي الصوفي) فيراه من قلبه. وإيضاح ذلك أن القلب إذا انجلى صار كالمرآة الكبيرة , فإذا قابلها بالعالم العلوي والسفلي ارتسم كله فيها).
وروى أيضا عن علي الخواص أنه قال:
(لا يكمل إيمان عبد حتى يصير الغيب عنده كالشهادة في عدم الريب).
ويقول محمد ضيف الله الجعلي السوداني:
(كشف الأولياء على قسمين: منهم من ينظر في اللوح فإنه لا يتغير ولا يتبدّل كسيدي علي الخواص. ومنهم من ينظر في ألواح المحور والإثبات , وعدتها ثلاثمائة وستون لوحا فإنها تتغير وتتبدّل , فإذا أخبر الوليّ بكلام ولم يقع فلا ينكر عليه بأن يقال: كذب , بل يحمل على أنه نظر في ألواح المحور والإثبات).
فانظر هذه الخرافة المختلقة ما أشنعها وأقبح بها.
وأما ابن عربي ومدرسته فقد تكلموا في مثل هذا كثيرا , ولا يخلو كتاب من كتبهم عن مثل هذه الخرافات والموبقات , فيقول ابن عربي:
(فأما العلم اللدني , فمتعلقه الإلهيات وما يؤدي إلى تحصيلها من الرحمة الخاصة. وأما علم النور فظهر سلطانه في الملأ الأعلى قبل وجود آدم بآلاف السنين من أيام الرب.
وأما علم الجمع والتفرقة فهو البحر المحيط , الذي اللوح المحفوظ جزء منه , ومنه يستفيد العقل الأول , وجميع الملأ الأعلى منه يستمدون. وما ناله أحد من الأمم سوى أولياء هذه الأمة. وتتنوع تجلياته في صدورهم على ستة آلاف ومائتين.
فمن الأولياء من حصّل جميع هذه الأنواع , كأبي يزيد البسطامي , وسهل بن عبد الله , ومنهم من حصّل بعضها).
ويقول في إحدى رسائله:
(للأرواح الإنسانية إذا صفت وزكت معارج في العالم العلوي المفارق وغير المفارق فينظر مناظر الروحانيات المفارقة , فترى مواقع نظرهم في أرواح الأفلاك ودورانها بها , فينزل مع حكم الأدوار وترسل طرفها في رقائق التنزيلات حتى ترى مساقط نجومها في قلوب العباد , فتعرف ما تحويه صدورهم وما تنطوي عليه ضمائرهم , وما تدل عليه حركاتهم ... وإذا توجهت الأسرار نحو قارئها بفناء وبقاء , وجمع وفرق سقطت عليها أنوار الحضرة الإلهية من حيثها , لا من حيث الذات , فأشرقت أرض النفوس بين يديه فالتفت فعلم ما أدركه بصره وأخبر بالغيب وبالسرائر وبما تكنه الضمائر وما يجري في الليل والنهار).
ويقول:
(من يكن الحق سمعه وبصره فكيف يخفى عليه شيء).
وقال:
(يرتقي الوليّ إلى عالم الغيب فيشاهد اليمين ماسكة قلمها وهي تخطط في اللوح).
و: (من الصوفية من لا يزال عاكفا على اللوح , ومنهم من يشهده تارة تارة).
ونقل ابن عربي في كتابه عن الجنيد أنه قال:
(العارف هو الذي ينطق عن سرّك وأنت ساكت).
ولقد بيّن في إحدى كتبه طريق إطلاع الصوفية على الغيب فقال:
(الكشف والإطلاع على الغيب يكون بطريق التجلي , إما بالتنزل أو بالعروج).
ويقول أيضا:
(تتجلى صورة العقل في ذات الخليقة , فتلوح له أسرار والعلم المنقوشة فيه).
فهذه هي آراء ابن عربي وأقواله , صريحة في معناها , جلية في مغزاها , واضحة في مرادها , لا غموض فيها ولا تعقيد , ولا تحتاج إلى التبيين والتوضيح.
وأما تلميذه محمد بن إسحاق القونوي المتوفى 673 هـ فيقول:
(إن الكمل ومن شاء الله من الأفراد أهل الإطلاع على اللوح المحفوظ , بل وعلى المقام القلمي , بل وعلى حضرة العلم الإلهي , فيشعرون بالمقدر كونه لشبق العلم بوقوعه).
ويقول شهاب الدين السهروردي المقتول:
(الأنبياء والفضلاء المتألهون يتيسر لهم الإطلاع على المغيبات , لأن نفوسهم إما قوية بالفطرة أو تتقوى بطرائقهم وعلومهم , فينتقشون بالمغيبات , لأن نفوسهم كالمرايا المصقولة تتجلى فيها نقوش من الملكوت. فقد يسري شبح إلى الحس المشترك , يخاطبهم ألدّ مخاطبة وهو في أشرف صورة , وربما يرون الغيب بالحس المشترك مشاهدة , وربما يسمعون صوت هاتف , أو يقرؤن من مسطور).
وقال لسان الدين بن الخطيب في روضته:
¥