(الولاية ظل النبوة , والنبوة ظل الإلهية .... فالأنبياء عليهم السلام مصادر الحق , والأولياء مظاهر الصدق ... والأولياء خصوا بإشارات نبوية , و إطلاعات حقيقة , وأرواح نورية , وأسرار قدسية , وأنفاس روحانية , ومشاهدات أزلية).
وبمثل هذا قال الكمشخانوي في كتابه جامع أصول الأولياء.
وآخر قال بوضوح أكثر:
(ما قيل في النبي يقال في الوليّ).
وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حكى عن الله عز وجل أنه قال:
(أولئك كلامهم كلام الأنبياء).
تَفْضِيلُ الوَليّ عَلَى النَّبِيِّ
ولم يقتصر القوم على مثل هذه السخافات والأباطيل , بل زادوا في غلوائهم حيث فضلوا الولاية على النبوة والرسالة , والأولياء على الأنبياء والمرسلين , فقالوا:
(خضنا بحورا وقفت الأنبياء بسواحلها).
و (معاشر الأنبياء , أو تيتم اللقب , وأوتينا ما لم تؤتوه).
ونقلوا عن البسطامي أنه قال:
(تالله أن لوائي أعظم من لواء محمد صلى الله عليه وسلم , لوائي من نور تحته الجان والجن والإنس , كلهم من النبيين).
وهذا ما صرّح به بعضهم:
(مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الوليّ).
لأن (الولاية: هي الفلك الأقصى , من سبح فيه اطلع , ومن اطلع علم , ومن علم تحول في صورة ما علم. فذلك الوليّ المجهول الذي لا يعرف , والنكرة التي لا تتعرّف , لا يتقيد بصورة , ولا تعرف له سريرة , يلبس لكل حالة لبوسها , أما نعيمها وإمّا بؤسها.
يوماً يمان إذا لاقيت ذا يمن وإن لاقيت معديا فعدنان
إمعة , لما في فلكه من السعة).
و (إن الولاية هي المحيطة العامة , وهي الدائرة الكبرى , فمن حكمها أن يتولى الله من شاء من عباده بنبوة وهي من أحكام الولاية , وقد يتولاه بالرسالة وهي من أحكام الولاية أيضا. فكل رسول لابد أن يكون نبيا , وكل نبيّ لابد أن يكون وليا , فكل رسول لابد أن يكون وليا. فالرسالة بخصوص مقام في الولاية , والرسالة في الملائكة دنيا و آخرة , لأنهم سفراء الحق لبعضهم ... والرسالة في البشر لا تكون إلا في الدنيا , وينقطع حكمها في الآخرة , وكذلك تنقطع في الآخرة بعد دخول الجنة والنار نبوة التشريع , لا نبوة العامة.
وأصل الرسالة في الأسماء الإلهية. وحقيقة الرسالة إبلاغ كلام من متكلم إلى سامع. فهي حال لا مقام , ولا بقاء لها بعد انقضاء التبليغ , وهي تتجدد).
بخلاف الولاية فإنها لا تنقطع أبدا , ولا تحدّ , لا بالزمان ولا بالمكان , ولها الإنباء العام (والله لم يتسمّ بنبي ولا برسول , وتسمّى بالوليّ , واتصف بهذا الاسم , فقال: الله ولي الذين آمنوا , وقال: هو الوليّ الحميد , وهذا الاسم باق جار على عباد الله دنيا وآخرة).
وأن الولي يعلم علمين: علم الشريعة , وعلم الحقيقة , أي الظاهر والباطن , والتنزيل والتأويل , حيث أن الرسول من حيث هو رسول ليس له علم إلا بالظاهر والتنزيل والشريعة (فإذا رأيت النبي يتكلم بكلام خارج عن التشريع فمن حيث هو وليّ عارف , ولهذا مقامه من حيث هو عارف أتمّ وأكمل من حيث هو رسول أو ذو تشريع وشرع).
وأن النبي والرسول يستمدّ بالعلم والمعرفة من الملك الذي يبلغه الوحي الإلهي بواسطته , ولا يمكنه الأخذ من الله مباشرة , والوليّ يستمد المعرفة من حيث يأخذها الملك الذي يؤدي بدوره إلى الأنبياء والرسل (فمرجع الرسول والنبي المشرع إلى الولاية والعلم).
فلذلك قال ابن عربي بصراحة لا تحتمل التأويل:
(وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم , ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الوليّ الخاتم , حتى أن الرسل لا يرونه – متى رأوه – إلا من مشكاة خاتم الأولياء: فإن الرسالة والنبوة – أعني نبوة التشريع ورسالته – تنقطعان , والولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون , من كونهم أولياء , لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء , فكيف من دونهم من الأولياء؟ وإن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع , فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إليه , فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى ... لما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبّن وقد كَمُلَ سوى موضع لبِنَة , فكان صلى الله عليه وسلم تلك اللبنة. غير أنه صلى الله عليه وسلم لا يراها
¥