فإن النبوة التي انقطعت بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي نبوة التشريع لا مقامها فلا شرع يكون ناسخا لشرعه صلى الله عليه وسلم , ولا يزيد في حكمه شرعا آخر , وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إن الرسالة والنبوة انقطعت , فلا رسول بعدي ولا نبي , أي لا نبيّ بعدي يكون على شرع يكون مخالفا لشرعي , بل إذا كان , يكون تحت حكم شريعتي ... فهذا هو الذي انقطع وسدّ بابه , لا مقام النبوة).
فهل يقول المتنبئون الدجالون الكذابون غير هذا؟
فإنهم لا يلتقطون إلا من موائد الصوفية وخوانها , ولا يستوحون إلا من أمثال شيخهم الأكبر.
ويقول ابن عربي كذلك مجيبا على سؤال الترمذي الملقب بالحكيم: أين مقام الأنبياء من مقام الأولياء؟ يجيب على هذا ويقول:
(وإن كان سؤاله عن مقام الأنبياء من الأولياء , أي أنبياء الأولياء – وهي النبوة التي قلنا أنها لم تنقطع , فإنها ليست نبوة الشرائع – وكذلك في السؤال عن مقام الرسل , الذين هم أنبياء فلنقل في جوابه: أن أنبياء الأولياء , مقامهم من الحضرات الإلهية الفردانية , والاسم الإلهي الذي تعبدهم (هو) الفرد , وهم المسمون الأفراد.
فهذا هو مقام نبوة الولاية , لا نبوة الشرائع. وأما مقام الرسل , الذين هم أنبياء فهم الذين لهم خصائص على ما تعبدوا به أتباعهم. كمحمد صلى الله عليه وسلم , فيما قيل له: (خالصة لك من دون المؤمنين) في النكاح بدون الهبة. فمن الرسل من لهم خصائص على أمتهم ومنهم من لا يختصه الله بشيء دون أمته.
وكذلك الأولياء: فيهم أنبياء , أي خصوا بعلم لا يحصل إلا لنبي , من العلم الإلهي. ويكون حكمهم من الله , فيما أخبرهم به , حكم الملائكة. ولهذا قال (تعالى) في نبي الشرائع: (ما لم تحط به خبرا) , أي ما هو ذوقك , يا موسى! مع كونه كليم الله. فخرق (الخضر) السفينة , وقتل الغلام حكماً , وأقام الجدار - مكارم خلق – عن حكم أمر الإلهي , (هذا كله) كخسف البلاد على يدي جبريل ومن كان من الملائكة. ولهذا كان الأفراد من البشر بمنزلة المهيمن من الملائكة , وأنبياؤهم منهم بمنزلة الرسل من الأنبياء).
هذا ويقول الآخرون مثل ما قاله ابن عربي , فيقول الفرغاني:
(أما الولاية فهي التصرف في الخلق بالحق , وليست في الحقيقة إلا باطن النبوة , لأن النبوة ظاهرة الأنباء , وباطنها التصرف في النفوس بإجراء الأحكام عليها.
والنبوة مختومة من حيث الأنباء , إذ لا نبيّ بعد محمد صلى الله عليه وسلم , دائمة من حيث الولاية والتصرف).
وأما السهروردي المقتول فيقول:
(إن اتفق في الوقت متوغل في التأله والبحث فله الرياسة , وإن لم يتفق فالمتوغل في التأله المتوسط في البحث. وإن لم يتفق فالحكيم المتوغل في التأله عديم البحث , وهو خليفة الله.
ولا تخلو الأرض من متوغل في التأله أبدا).
فهذه هي عقيدة أخرى منافية للإسلام ومخالفة له , ومعارضة لأسسه وقواعده , مناقضة لشرعته وتعاليمه , متبطنة الكفر أشد الكفر , ومتضمنة الارتداد كل الارتداد , مأخوذة من الشيعة واليهودية.
ومعروف أنهم لم يخترعوا هذه العقيدة ولم يختلقوها ليوصلوا المتصوفة إلى مقام النبوة ومكانتها كما وصّل الشيعة إليها أئمتهم , فوصفوهم بجميع أوصاف النبوة , واختصاصاتها , ومن أهمها العصمة.
العِصْمَة
فالعصمة في تبليغ رسالات الله ضرورية للأنبياء والرسل كي لا يقع الخطأ والغلط في أداء أوامر الله ونواهيه , وأحكام الله وإرشاداته , فيدعمون ويسددون بالوحي ونزول الملائكة عليهم , فما ينطقون عن الهوى , ويجب اتباعهم في كل ما يقولونه ويأمرون به , لسلامتهم من الخطأ , والزلل بخلاف غيرهم , فإنه يمكن عليهم الخطأ والنسيان , والزلل والغلط , فلا يؤمن جانبهم من هذه الأمور كلها.
ولكن الشيعة الذين جعلوا أئمتهم كالأنبياء أو المشاركين في النبوة والمضاهين لها , اختلقوا لهم هذه المكانة , وادعوا لهم هذه المنزلة , فقالوا:
(إن الإمام يجب أن يكون معصوما).
وقال ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق عند الشيعة:
¥