فأخذ كتبه ورماها في البئر , وحلق لحيته وشواربه , وأخذ كأس الخمر , وبدأ يرقص في الشوراع والأسواق , كما بدا يرتاد بيوت المومسات , ويقضي أوقاته فيها , إلى أن وقع نظره على أمرد هندوكي جميل , فوله به وكلف , وعشقه , وما زال يطوف حول بيته ست عشرة سنة حتى أوقعه في حباله وفخه , وجعل إسمه جزء من اسمه , فصار مادهو لعل الحسين , بعد أن كان حسينا فقط , وبعد وفاته صار مزاره مهبط الأنوار , ومحط البركات , مثل ما كان هو في حياته.
هذا من جانب , ومن جانب آخر يذكر الشعراني صوفيا آخر صاحب كشف , فيقول:
(سيدي شريف رضي الله عنه ورحمه كان يأكل في نهار رمضان , ويقول أنا معتوق , أعتقني ربي).
ومثل هذا يذكرون عن أبي يزيد البسطامي أنه (أخرج من كمّه رغيفا , وأخذ في أكله في المدينة , وكان هذا في شهر رمضان).
وينقلون عن الشبلي أنه كان يقول:
(يا ويلاه , إن صليت جحت , وإن لم أصلّ كفرت).
والقصص والحكايات مثل هذه كثيرة جدا لا تعدّ ولا تحصى , تدل على رفع التكاليف وإسقاط الشريعة , وقد نورد بعضا منها في محله في الجزء الثاني من هذا الكتاب إن شاء الله.
وهناك عقائد وآراء وأفكار أخرى عديدة , فيها تشابه كامل وتوافق تام مع الشيعة , تدل على أنها مأخوذة مقتبسة منهم , ولكننا نكتفي بهذا القدر منها , لجلاء الموضوع ووضوح المبحث , بعد ما أثبتناها من كتب الفريقين , المعتمدة الموثوقة , وبسرد ألفاظهم وعباراتهم , ومع تأييد الشيعة , وتوثيق السنة , وشهادة الآخرين من اليهود والنصارى من المستشرقين.
فإن الشيعي الإيراني المعاصر قد صرّح في كتابه:
(تذهب جماعة إلى أن التصوف ليس إلا رد فعل أوجده الفتح العربي الإسلامي في نفوس العنصر الآري الإيراني , وخلاصة قولهم أن الإيرانيين بعدما غلبوا على أمرهم بسيوف العرب في مواقع القادسية وجلولاء وحلوان ونهاوند , أدركوا أنهم فقدوا إستقلالهم وأضاعوامجدهم , ثم إنهم إعتنقوا الديانة الإسلامية , ولكن العرب الذين كان الإيرانيون ينظرون إليهم منذ القدم بنظرة غير راضية لم يستطيعوا أن يغيروا رغم إنتصاراتهم مجرى التفكير الإيراني , وأن يجعلوهم مشاركين لهم في أسلوب تفكيرهم وإتجاهاتهم وميولهم وسليقتهم ومنطقهم وكذلك في آمالهم وأمانيهم وغاياتهم الروحية المثالية لأن التباين الشكلي والمعنوي أي الفروق العنصرية والإختلاف في أسلوب المعيشة والأوضاع الإجتماعية بين هاتين الأمتين كان شديدا للغاية. وبناء على ذلك بعدما إنتهت المعارك الحربية باندحار الإيرانيين بأسلوب المساجلات الفكرية التي كان لها أثر بالغ في التاريخ الأدبي والمذهبي والإجتماعي والسياسي للعرب والإسلام.
ومن أهم تلك الإنعكاسات التي ترتبت على تلك الإنفعالات الفكرية التشيع أولا والتصوف ثانيا. وينبغي أن نضيف إلى هذه الملاحظة أن الغرض من ذ كر الإنفعالات في هذا الباب ليس القول بأن الإيرانيين أقدموا على هذا العمل اختاروا أو تعمدوا وقد تأتت في أكثر الظروف بحكم الإنفعالات النفسية وبتأثير العواطف و الأحاسيس الخفية بصورة ثابتة كما يرى علماء النفس , أي من غير أن يعرف الناس أنفسهم غالبا السبب الحقيقي أو يستطيعوا تحليل أفكارهم وأحاسيسهم إنساقت أفكارهم إلى أمثال هذه الإنفعالات العكسية).
وأما الشيعي العراقي فقد كتب كتابا مستقلا لإثبات تأثر التصوف بالتشيع , واستفادة الصوفية من الشيعة , وأخذهم عنهم , فيقول:
(وينبغي أن نذكر الدور الذي قام به الفرس من إخالهم مثلهم الدينية في التشيع الغالي الأول حين نصروا المختار , وعاضدوا حركة الغلو العجلية , وانضموا إلى حركة أبي هاشم , وانضافوا إلى الحركة السرية العباسية التي ورثت حركة أبي هاشم , حتى أدى بهم الأمر إلى تأليه أبي مسلم الخراساني , كما فعلوا مع أئمة الشيعة من العلويين. يضاف إلى ذلك أنهم نصروا حركة عبد الله بن معاوية في فارس أيضا , وأسبغوا عليه النور الإلهي الذي سنجده في التصوف واضحا جليا.
¥