تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هل الله يعلم الأشياء قبل وقوعها أم لا؟ أي الله يعلم ما سيعمله العباد أم لا؟ إن قالوا نعم، خصموا وبطل قولهم، ووجه ذلك: أن الله إذا علم الأشياء في الأزل قبل وقوعها إذن علم الخير والشر فإذن قدر على عباده ما سيعملونه، وإن قالوا لا، التحقوا بالقدرية الغلاة وهم الذين كفروا وتقدم أنهم أنكروا سبق علم الله لوقوع الأشياء.

ب) وقال الإمام أبو الفضل العباسي الشَّكْلي – كما في كتاب الشريعة للآجرّي صـ244 – "أمران يقطع بهما المعتزلي، فنقول له: هل قدر الله فلم يرد، أو أراد فلم يقدر".

أي إن قالوا قدر الله على هداية الناس جميعهم فلم يرد، فحينئذ يكون قولهم قد بَطل وانتقض، فهذا هو قول أهل السنة إذ من يستطيع أن يهدي من لم يرد الله هدايته (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً)، فقدر لكنه لم يرد، لحكمة بالغة تامة له سبحانه وتعالى.

وإن قالوا أراد الله هدايتهم لكنه لم يقدر فحينئذ هم كفروا بهذا القول لأنهم وصفوا الله بالعجز حيث غلبت الناس إرادته تعالى الله عن ذلك.

ولذلك قال الإمام عبد الرحمن العلامي (ت 795 هـ) في السنة التي توفي فيها ابن رجب الحنبلي

قالوا يريد ولا يكون مراده ??? عدلوا ولكن عن طريق المعرفَهْ

(يريد) أي يريد للناس الإيمان ولا يكون مراده.

(عدلوا) أي مالوا عن الهدي إلى الباطل والضلال، فالله أراد هداية الناس لكنهم عارضوه وخالفوه فما اهتدوا.

ومن جملة مناظرات أئمتنا الهداة للمعتزلة الضالين في إبطال قولهم هذه المناظرة المحكمة السديدة (موجودة في طبقات الشافعية الكبرى (4/ 261) و (5/ 98)، الفتح (13/ 451)، وأوردها شيخنا في دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب صـ286 في تفسير سورة الشمس عند قوله تعالى (فألهمها فجورها وتقواها).

وحاصلها: أنه اجتمع في مجلس ٍشيخان أحدهما مهتدٍ والآخر ضال، أما المهتدي: من شيوخ أهل السنة الكرام أبو إسحاق الإسفراييني، وأما الضال: عبد الجبار المعتزلي.

فقال عبد الجبار (مُعرِّضاً بأهل السنة الأبرار): سبحان من تنزه عن الفحشاء ().

فقال أبو إسحاق: كلمة حق أريد بها باطل ثم أجابه فقال: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء.

فقال عبد الجبار: أفيريد ربنا أن يُعصى ()؟

فقال أبو إسحاق: أفيُعص ربنا مكرهاً ()؟

فقال عبد الجبار: أرأيت إن قضي عليّ بالردى () ومنعني من الهدى أحسَنَ إليّ أم أساء؟

فقال أبو إسحاق: إن كان الذي منعك ملكاً لك فقد أساء، وإن كان ملكه فهو الذي يفعل ما يشاء.

فَبُهِتَ عَبْدُ الجبار، وقال الحاضرون: لا يستطيع أن ينازع هذا أحد، فهذا الآن من أئمة الهدى أي إن أعطاك ففضل وإن منعك فعدل، ولا يظلم ربك أحداً، وهذه المناظرة حقيقة تبطل مذهب المعتزلة بهذه الحجة المحكمة الدامغة.

يقول إياس بن معاوية الذي يضرب به المثل بالذكاء والفراسة والألمعية: "ما ناقشت أحداً بجميع عقلي إلا القدرية" ثم قلت لهم، أخبروني عن الظلم ما هو؟ قالوا: الظلم أن تعتدي على غيرك بأن تأخذ حقه من غير إذنه أو تتصرف في ماله بغير إذنه.

فقال لهم إياس: فهذا الكون ملك مَنْ؟!! هو ملك الله، فإذا تصرف الله فيه فهل يُعد هذا ظلماً؟! لا، مَنَّ على هذا بالهدى وخذل هذا ولم يوفقه.

نعم أقام الحجة على جميع العباد وأرسل الرسل وأنزل الكتب ومنحنا العقول ثم بعد ذلك لطف بهذا المؤمن فوفقه، وخذل ذلك الكافر وما مَنّ عليه بالهداية، فأي ظلم في هذا؟!! الظلم هو أن تعتدي على حق غيرك وأن تتصرف في ماله بغير إذنه، ولا يدخل الظلم في دائرة أفعال الله سبحانه وتعالى وهذه المناظرة عن إياس أوردها الإمام ابن تيمية وهي في مجموع الفتاوى (18/ 139و 140).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير