تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما وقد حاولنا من جانبنا أن نعرِّف بالتأمل كما نفهمه، [21] يجدر بنا أن نميِّز، ولاسيما في الراجايوغا، بين الممارسة – أي التمارين النفسية–الذهنية التي يلقنها الأستاذ للمريد –، وبين الحالة النفسية الناجمة – أي ما يستشعره المريد ذاتياً في أثناء هذه الممارسة أو بعدها –، وبين المشاهدات التي يقوم بها موضوعياً راصد خارجي، إما مباشرة، وإما بأدوات قياس، كالتخطيط الكهربائي للدماغ. فعند اليوغانيين، كما رأينا أعلاه، ينبغي أن يكون الانتباه شديداً ومتواصلاً ومثبَّتاً على نقطة واحدة (إيكاكرا ekagra). وقد يكون موضوع التثبيت موضوعاً خارجياً، أو نقطة من البدن، أو صورة ذهنية. وقد يكون أحياناً صوتاً، حقاً أو متخيَّلاً. إن شدة القدرة على الانتباه تمارَس وتقوَّى بتمرينات تشكل رياضة حقيقية لهذه الملَكة. ذلكم هو دهارنا dharana الذي يقود الإمعان فيه إلى التأمل (دهيانا dhyana) فإلى الاستغراق (سمادهي samadhi). أما استمرارية الانتباه فغير ممكنة بالطبع ما لم يكن الفرد قادراً على الانقطاع عن العالم الخارجي، أي على قطع حقل وعيه عن كل شرود تتسبب فيه الرسائل الحواسية أو الصور والذكريات والانطباعات الداخلية والمعلومات "المعالَجة" المخزونة في الذاكرة عموماً. بيد أن ثمة سؤالين ينطرحان على الذهن: هل مثل هذا القطع، مثل هذا الانفكاك ممكن حقاً، أم أنه ليس إلا زعماً من محض الخيال؟ وإذا كان الانفكاك التام ممكناً ففي أي حالة نفسية وذهنية يكون اليوغاني عندئذٍ؟ هل هو واعٍ أم غير واعٍ – نائم مثلاً؟ وإذا كان واعياً، فأي شكل من أشكال الوعي هو وعيُه؟

تؤثر الآسنا، بحسب اليوغانيين، على أجهزة أو مناطق محددة تأثيراً نوعياً، سواء آلياً أو بتعديل التوعية الدموية. هكذا قد يسمح شارفانغاسانا، أو وضع الشمعة (الصورة 11) بتنظيم الوظيفة الدرقية، في حين قد يؤثر بهوجونغاسانا، أو وضع الثعبان (الصورة 12) في الغدة الكظرية (فوق الكلية) والناحية الكلوية على العموم. وتؤكد معايرة الهرمون الدرقي (اليود الدرقي) والهرمون الكظري (الكورتيزيول) في مصل الدم لدى عشرة أشخاص، قبل وبعد اتخاذ هذين الوضعين (الرسم البياني 3)، هذه التصريحات تأكيداً جزئياً. فالوظيفة الدرقية لا تتعدَّل على ما يبدو؛ بالمقابل فإن شارفانغاسانا يخفض نسبة الكورتيزول المصلي خفضاً ملموساً، في حين أن بهوجونغاسانا يزيد منها. لهذه النتائج الأخيرة مدلولات إحصائية هامة. وبالطبع، لا تسمح هذه التجربة بالتسرُّع في تبنِّي استنتاجات حول التأثير المديد الناجم عن ممارسة طويلة.

بالوسع في الوقت الحاضر أن نجيب على هذين السؤالين إجابة جزئية. الانفكاك – وإن لم يكن تاماً فعلى الأقل متقدم جداً – أمر ممكن. [22] وتشير إلى شيء من هذا القبيل أبحاث كهربائية دماغية عديدة نسبياً، أُجري أكثرُها برهاناً على أربعة يوغانيين في حالة تأمل. [23] لقد أُخضِع الأفراد لمنبِّهات خارجية المنشأ (إضاءات قوية، صخب شديد، ذبذبات)، أو حتى لاختبارات موجعة عادة (حروق، غمر الساعد في الماء المثلج)، بدون أن يظهر عليهم أي رد فعل خارجي. والمدهش أن المخطط الكهربائي الدماغي المسجَّل إبان مدة التجربة كاملة لا يُظهِر أي تبدل طارئ. فإذا لبث اليوغانيون غير قابلين للزعزعة فليس هذا بفضل قدرة "رواقية" على ضبط النفس وعدم الاكتراث بالألم، بل هو على العكس تماماً نتيجة عدم وصول أي تنبيه إلى قشر المخ أصلاً. وتبيِّن بحوث تجريبية أضحت تقليدية أهمية دور الانتباه المركَّز في توسيع أو تثبيط كمونات العمل المحرَّضة على مستوى المراكز العصبية من جراء منبهات خارجية المنشأ. فإذا لفت وجود فأر انتباه قطة فإن الأثر الناتج عادة عن صوت على مستوى المراكز السمعية يكاد ينعدم تماماً. [24] وهذه الظواهر تستلزم اشتراك التشكُّل الشبكي reticular formation الذي بات دوره معروفاً في حالات الصحو والنوم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير