وسيكون البحث فيه مِن جهة (ثمن الكلب)، وهل يجوز بيعه وشراؤه، أو لا؟
1 - عن أبي مسعود الأنصاري أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم?: «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَمَهْرِ البَغِيِّ (1) وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ (2)».
رواه البخاري [4/ 536]، و مسلم [10/ 231].
2 - عن رافع بن خديج أنَّ رَسُولَ اللهِ ?صلى الله عليه وسلم?قَالَ: «ثَمَنُ الكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ البَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الحَجَّامِ خَبِيثٌ».
رواه مسلم [10/ 232].
3 - عن أبي الزبير قال: سَألتُ جابراً عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَالسِّنَّوْر؛ فَقَالَ: زَجَرَ النَّبيُّ ?صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ.
رواه مسلم [10/ 234].
4 - عن جابر بن عبد الله: أنَّ رَسُولَ اللهِ ?صلى الله عليه وسلم?نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ، إِلاَّ كَلْبَ الصَّيْدِ.
رواه النسائي [7/ 309] وقال: هذا منكرٌ.
5 - عن أبي هريرة ?: عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم?: أنَّهُ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ؛ إِلاَّ كَلْبَ الصَّيْدِ.
رواه الترمذي [4/ 418 - أحوذي] وقال: هذا حديثٌ لا يصحُّ مِن هذا الوجه، وأبو المهزَّم اسمه: يزيد بن سفيان، وتكلم فيه شعبة (3)، وروي عن جابر عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم?نحو هذا، ولا يصحُّ إسناده أيضاً. ا. هـ
قلت: وقال ابن حزم رحمه الله: وأبو المهزِّم ضعيفٌ جدّاً ا. هـ (المحلى [9/ 12]).
فوائد الأحاديث:
1 - تحريم بيع الكلب، وذلك يتناول كلَّ كلبٍ، صغيراً كان، أو كبيراً، للصيد، أو للماشية، أو للحرث، وهذا مذهب فقهاء أهل الحديث قاطبةً، وهو مذهب أبي هريرة، والحسن، والأوزاعي، وربيعة، والحكم، وحماد، وأحمد، وداود، وابن حزم، وابن المنذر (4).
قال ابن القيِّم: والنِّزاع في ذلك معروفٌ، عن أصحاب مالك، وأبي حنيفة، فجوَّز أصحاب أبي حنيفة بيع الكلاب، وأكل أثمانها، وقال القاضي عبد الوهاب: اخْتَلَف أصحابنا في بيع ما أُذِنَ في اتخاذه من الكلاب، فمنهم من قال: يكره، ومنهم من قال: يحرم. ا. هـ (5).
• ذِكْرُ الخلاف في ذلك:
1 - القول بجواز بيعها على الإطلاق، وهو مذهب الأحناف:
أ- قالوا: يجوز بيع الكلاب قياساً على الحمار والبغل.
قال ابن القيم: أمَّا قياس الكلب على البغل، والحمار، فمِن أفسد القياس، بل قياسه على الخنزير، أصحُّ مِن قياسه عليها، لأنَّ الشبه الذي بينه وبين الخنزير، أقرب مِن الشبه الذي بينه وبين البغل، والحمار (6)، ولو تعارض القياسان؛ لكان القياس المؤيد بالنَّص الموافق له أصحًّ، وأولى مِن القياس المخالف له. ا. هـ (زاد المعاد [5/ 772]).
وذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وجهين في الفرق بين بيع الكلب، وبيع الحمار.
الوجه الأول: شدةُ خبثِ الكلب، ويدل عليه غسل الإناء سبع مرات، مِن ولوغه.
الوجه الثاني: أنَّ منفعةَ الكلبِ مقيَّدةٌ بثلاثة أشياء، وهي الصيد، والحرث، والماشية بخلاف الحمار فمنفعته مطلقة. (شرح بلوغ المرام، البيوع، [شريط رقم 3]).
ب- وقالوا (7): كان النهيُ عن ثمنها حين كان الأمر بقتلها، فلما حَرُم قتلها، وأبيح اتخاذ بعضها، نُسخ النهي، فنُسخ تحريم البيع.
قال ابن القيم: هذه دعوى باطلةٌ، ليس مع مدَّعيها لصحتها دليلٌ، ولا شبهه، وليس في الأثر ما يدل على صحة هذه الدعوى ألبتة، بوجهٍ مِن الوجوه.
ويدل على بطلانِها: أنَّ أحاديثَ تحريم بيعها، وأكل ثمنها، مطلقةٌ عامَّةٌ كلها، وأحاديث الأمر بقتلها، والنهي عن اقتنائها، نوعان: نوعٌ كذلك، وهو المتقدِّم، ونوعٌ مقيَّد مخصَّص، وهو المتأخر.
فلو كان النهي عن بيعها مقيَّداً مخصوصاً؛ لجاءت به الآثارُ كذلك، فلمَّا جاءت عامَّةً، مُطلقةً، عُلم أنَّ عمومها، وإطلاقها مرادٌ، فلا يجوز إبطاله. والله أعلم. ا. هـ (الزاد [5/ 772]).
وقال أيضاً:
وأسهل ما في هذه الطريقة، أنَّها دعوى مجردة، لا دليل عليها فلا تُقبل، كيف وفي الحديث نفسِه ما يبطلها؟! فإنَّه ?صلى الله عليه وسلم? (أمَرَ بِقَتْلِ الكِلاَبِ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الكِلاَبِ) ثُمَّ (رَخَّصَ لَهُمْ في كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلْبِ الغَنَمِ).
¥