تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد ثبت في الصحاح وغيرها: «أن المؤمنين يسجدون لله يوم القيامة، وأن المنافق لا يستطيع ذلك، ويعود ظهره كالصفيحة الواحدة طبقاً واحداً، كلما أراد السجود خر لقفاه». وفي الصحيحين في الرجل الذي يكون آخر أهل النار خروجاً منها: «أن الله يأخذ عهوده ومواثيقه ألا يسأل غير ما هو فيه، ويتكرر ذلك منه، ويقول الله تعالى: يا بن آدم، ما أعذرك? ثم يأذن له في دخول الجنة» وأما قوله: فكيف يكلفهم الله دخول النار، وليس ذلك في وسعهم؟ فليس هذا بمانع من صحة الحديث. «فإن الله يأمر العباد يوم القيامة بالجواز على الصراط وهو جسر على متن جهنم أحد من السيف وأدق من الشعر، ويمر المؤمنون عليه بحسب أعمالهم، كالبرق، وكالريح، وكأجاويد الخيل والركاب. ومنهم الساعي، ومنهم الماشي، ومنهم من يحبو حبواً، ومنهم المكدوس على وجهه في النار» وليس ما ورد في أولئك بأعظم من هذا، بل هذا أطم وأعظم?

وأيضاً ـ فقد ثبتت السنة بأن الدجال يكون معه جنة ونار، وقد أمر الشارع المؤمنين الذين يدركونه أن يشرب أحدهم من الذي يرى أنه نار فإنه يكون عليه برداً وسلاماً. فهذا نظير ذلك.

وأيضاً ـ فإن الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم. فقتل بعضهم بعضاً حتى قتلوا فيما قيل في غداة واحدة سبعين ألفاً، يقتل الرجل أباه وأخاه، وهم في عماية غمامة أرسلها الله عليهم. وذلك عقوبة لهم على عبادة العجل. وهذا أيضاً شاق على النفوس جداً لا يتقاصر عما ورد في الحديث المذكور. والله أعلم. انتهى كلام ابن كثير بلفظه.

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى أيضاً قبل هذا الكلام بقليل ما نصه:

ومنهم من ذهب إلى أنهم يمتحنون يوم القيامة في عرصات المحشر. فمن أطاع دخل الجنة، وانكشف علم الله فيه بسابق السعادة. ومن عصى دخل النار داخراً، وانكشف علم الله فيه بسابق الشقاوة.

وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها، وقد صرحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة، الشاهد بعضها لبعض.

وهذا القول هو الذي حكاه الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري عن أهل السنة والجماعة، وهو الذي نصره الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب (الاعتقاد) وكذلك غيره من محققي العلماء والحفاظ والنقاد. انتهى محل الغرض من كلام ابن كثير رحمه الله تعالى، وهو واضح جداً فيما ذكرنا.

الأمر الثاني ـ أن الجمع بين الأدلة واجب متى ما أمكن بلا خلاف. لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما. ولا وجه للجمع بين الأدلة إلا هذا القول بالعذر والامتحان. فمن دخل النار فهو الذي لم يمتثل ما أمر به عند ذلك الامتحان، ويتفق بذلك جميع الأدلة، والعلم عند الله تعالى.

ولا يخفى أن مثل قول ابن عبد البر رحمه الله تعالى: إن الآخرة دار جزاء لا دار عمل ـ لا يصح أن ترد به النصوص الصحيحة الثابتة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.

أنتهى كلامه رحمه الله وكل ما ذكر أعلاه من كلامه رحمه الله

وإن تيسر لي نقل أقول بعض أهل العلم عن أطفال المشركين فسوف يكون لي عودة بإذن الله.

ـ[أبو عبد الرحمن الشهري]ــــــــ[10 - 10 - 04, 06:02 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى

وأطفال الكفار أصح الأقوال فيهم: (اللّه أعلم بما كانوا عاملين) كما أجاب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح.

وطائفة من أهل الحديث وغيرهم قالوا: إنهم كلهم في النار , وذكر أنه من نصوص أحمد وهو غلط على أحمد.

وطائفة جزموا بأنهم كلهم في الجنة , واختار ذلك أبو الفرج ابن الجوزي وغيره , واحتجوا بحديث فيه رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى إبراهيم الخليل وعنده أطفال المؤمنين، قيل: يا رسول اللّه , وأطفال المشركين؟ قال: (وأطفال المشركين).

والصواب أن يقال: (اللّه أعلم بما كانوا عاملين) , ولا نحكم لمُعَيَّن منهم بِجَنَّة ولا نار , وقد جاء في عدة أحاديث: (أنهم يوم القيامة في عَرَصات القيامة يؤمرون وينهون , فمن أطاع دخل الجنة , ومن عصى دخل النار). وهذا هو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن [أهل السنة والجماعة]. والتكليف إنما ينقطع بدخول دار الجزاء , وهي الجنة والنار.

وأما عرصات القيامة , فيمتحنون فيها كما يمتحنون في البرزخ , فيقال لأحدهم: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وقال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} الآية [القلم: 42].

وقد ثبت في الصحاح ـ من غير وجه ـ حديث تَجَلى اللّه لعباده في الموقف , إذا قيل: (ليَتْبَع كلُّ قوم ما كانوا يعبدون , فيتبع المشركون آلهتهم , ويبقى المؤمنون , فيتجلى لهم الرب في غير الصورة التي يعرفون فينكرونه , ثم يتجلى لهم في الصورة التي يعرفونها , فيسجد له المؤمنون , وتبقى ظهور المنافقين كقرون البقر , يريدون السجود فلا يستطيعون). وذكر قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} الآية. والكلام على هذه الأمور مبسوط في غير هذا الموضع , واللّه أعلم.

وقد بسط ابن القيم رحمه الله الكلام في حكم أولاد المشركين وأهل الفترة في آخر كتابه (طريق الهجرتين) تحت عنوان طبقات المكلفين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير