نفسه الرحمة (الأنعام: 54. قال: فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبتيه، وكان رسول الله) يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فأنزل الله عز وجل:) واصبر نفسك مع الذين يدعون ربَّهم بالغداةِ والعَشيِّ يُريدون وجهَه ولا تعدُ عيناك عنهم (ولا تجالس الأشراف،) ولا تُطِعْ مَنْ أغفلنا قلبَهُ عن ذِكرِنا (الكهف: 28 يعني: عيينة والأقرع. قال خباب: فكنا نقعد مع النبي) فإذا بلغنا الساعة التي يقوم قمنا وتركناه حتى يقوم. خرجه ابن ماجة وغيره.
وكان النبي) يعود المرضى من مساكين أهل المدينة ويشيع جنائزهم، "وكان لا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين حتى يقضي حاجتهما"، وعلى هذا الهدي كان أصحابه من بعده والتابعون لهم بإحسان.
وروي عن أبي هريرة قال: كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين ويجلس إليهم، ويحدثهم ويحدثونه، وكان النبي) يكنيه: أبا المساكين. وفي رواية: أنه كان يطعمهم، وربما أخرج لهم عكة فيها العسل فشقوها ولعقوها.
وكانت زينب بنت خزيمة أم المؤمنين تسمى أم المساكين لكثرة إحسانها إليهم، وقد توفيت في حياة النبي). وقال ضرار بن مرة في وصف علي بن أبي طالب في أيام خلافته: كان يعظم أهل الدين، ويحب المساكين. ومر ابنه الحسن رضي الله عنهما على مساكين يأكلون، فدعوه فأجابهم وأكل معهم، وتلا:) إنَّه لا يُحبُّ المُستكبرين (النحل: 23 ثم دعاهم إلى منزله فأطعمهم وأكرمهم. وكان ابن عمر لا يأكل غالباً إلا مع المساكين، ويقول: لعل بعض هؤلاء أن يكون ملكاً يوم القيامة.
وجاء مسكين أعمى إلى ابن مسعود وقد ازدحم الناس عنده فناداه: يا أبا عبد الرحمن! آويت أرباب الخز واليمنية وأقصيتني لأجل أني مسكين. فقال له: أدنه. فلم يزل يدنيه حتى أجلسه بجانبه أو بقربه. وكان مطرف بن عبد الله يلبس الثياب الحسنة ثم يأتي المساكين ويجالسهم. وكان سفيان الثوري يعظم المساكين ويجفو أهل الدنيا، فكان الفقراء في مجلسه هم الأغنياء، والأغنياء هم الفقراء. وقال سليمان التيمي: كنا إذا طلبنا علية أصحابنا وجدناهم عند الفقراء والمساكين. وقال الفضيل: من أراد عز الآخرة فليكن مجلسه مع المساكين.
ومن فضائل المساكين أنهم أكثر أهل الجنة كما قال النبي): "قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين" وقال): "تحاجت الجنة والنار، فقالت الجنة: لا يدخلني إلا الضعفاء والمساكين" وسئل النبي) عن أهل الجنة، فقال: "كل ضعيف متضعف".
وهم أول الناس دخولاً كما صح عنه): "أن الفقراء يسبقون الأغنياء إلى الجنة بأربعين عاماً". وفي رواية: "أنهم يدخلون الجنة بنصف يوم، وهو خمسمائة سنة".
وهم أول الناس إجازة على الصراط كما صح عنه) أنه سئل: من أول الناس غجازة على الصراط؟ فقال: "فقراء المهاجرين".
وهم أول الناس وروداً الحوض كما قال): "أول الناس وروداً عليه: فقراء المهاجرين، الدنس الثياب والشعث رؤوساً، الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتح لهم السدد".
[اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى]
ابن رجب
الصفحة: 16
[اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى]
ابن رجب
الصفحة: 17
وهم أتباع الرسل كما أخبر الله تعالى عن نوح عليه السلام أن قومه عيروه باتباع الضعفاء له فقالوا:) أنؤمنُ لك واتَّبعكَ الأرْذَلون (الشعراء: 111، وكذلك قال هرقل لأبي سفيان لما سأله النبي): وهل يتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟ فقال: بل ضعفاءهم. قال هرقل: هم اتباع الرسل.
وهم أفضل من الأغنياء عند كثير من العلماء أو أكثرهم، وقد دل على ذلك أدلة كثيرة، منها قول النبي) حين مر به الغني والمسكين في المسجد: "هذا يعني: المسكين خير من ملء الأرض من مثل هذا يعني: الغني". وقد خرجه البخاري وغيره.
ومنهم من لو أقسم على الله لأبره كما في الصحيح عن النبي) أنه قال في أهل الجنة: "كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره". وفي رواية: "أشعث ذو طمرين"، وفي رواية خرجها ابن ماجة: "أنهم ملوك الجنة"، وفي الحديث المشهور: "رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" خرجه الحاكم وغيره.
رُبَّ ذي طمرين نِضْوٍ
يأمَنُ العَالَمُ شَرَّهُ
لا يُرى إلاّ غنياً
وهو لا يملكُ ذَرَّهْ
ثم لو أقسمَ في شيءٍ
على اللهِ أَبَرَّهْ
¥