ثالثا ـ تحديد اليوم الذي وُلد فيه:
لا خلاف بين أهل العلم في تحديد يوم ولادته من الأسبوع وأنّه يوم الاثنين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن صوم يوم الاثنين: ((ذاك يوم ولدت فيه، وأنزل عليَّ فيه)) – رواه مسلم - إلا ما حكاه ابن دِحْية عن بعض الشيعة بأنه كان يوم الجمعة وهو قول مطَّرح لا دليل عليه، بل الدليل على خلافه.
واختلفوا في تحديده من الشهر على أقوال:
القول الأول: أنه كان لليلتين خلتا من ربيع الأول، نقله الواقدي عن أبي معشر المدني - وأبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن السندي مولى بني هاشم، من أتباع التابعين، مات سنة 130هـ -، وحكاه ابن عبد البر.
القول الثاني: أنّه كان في اليوم الثامن منه، رواه مالك وعقيل ويونس بن يزيد وغيرهم عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم - ومحمد بن جبير بن مطعم تابعي، قال ابن حجر: "ثقة عارف بالنسب، مات على رأس المائة" -, وحكاه الحميدي عن ابن حزم - وفي جوامع السيرة لابن حزم (ص 7): "ولد ليوم الاثنين، لثمان بقين من ربيع الأول"، فلعل (بقين) تصحفت من (مضين) والله أعلم -.
القول الثالث: أنه كان في اليوم العاشر منه، رواه ابن عساكر عن أبي جعفر الباقر والشعبي - وأبو جعفر الباقر هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ثقة فاضل، تابعي، مات سنة بضع عشرة ومائة. انظر: التقريب (6191). والشعبي هو عامر بن شراحيل، أبو عمرو، ثقة فقيه فاضل، تابعي، قال مكحول: "ما رأيت أفقه منه"، مات بعد المائة - حكاه ابن دحية في "التنوير ".
القول الرابع: أنه كان في اليوم الثاني عشر منه، نص عليه ابن إسحاق، وهو المشهور عند الجمهور.
ثالثا ـ تحديد اليوم الذي وُلد فيه:
لم يمكن المؤرخين تحديد اليوم والشهر والعام الذي ولد فيه على وجه الدقة؛ وأغلب الروايات تتجه إلى أن ذلك كان عام هجوم الأحباش على مكة سنة 570 م في الثاني عشر من ربيع الأول.
وأما اليوم فكان يوم الإثنين، عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين فقال فيه ولدت وفيه أنزل عليَّ. رواه مسلم.
الذي يَعرف أحوال العرب ويعلم أنهم كانوا أمة أمية لم يكونوا يؤرخون بالأيام، بل كانوا يؤرخون بالأعوام، فيقولون: عام الفيل، وعام بناء الكعبة، وعام الحديبية، وعام حجة الوداع يعلم يقينًا أن تحديد يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم من الشهر من غير طريق النقل الصحيح أمر صعب.
ذلكم أن العرب لم تكن لها سجلات تحصي فيها أسماء المواليد، بل لم يكن ذلك من همِّها، فكيف يُتصوَّر أنّ أحدًا من الناس حين وُلدَ النبي صلى الله عليه وسلم تفرَّس فيه أنه سيكون له شأن جلل، فضبط ذلك الحدث باليوم والشهر والسنة، فقد وُلد صلى الله عليه وسلم ولادةً عادية كما يولد سائر الناس، وما ورد من الخوارق التي صاحبت ولادتَه صلى الله عليه وسلم لا يصح منها شيء، وأما النور الذي رأته أمُّه وأضاءت له قصور بصرى بالشام فهو رؤيا منام، رأت ذلك حين حملت به صلى الله عليه وسلم.
وإذا نظرنا في هذه الأقوال المختلفة في تحديد يوم ولادته صلى الله عليه وسلم وجدنا أن أقربها إلى الواقع القول الذي صح عن محمد بن جبير بن مطعم رضي الله عنه، وذلك لأنه مؤيَّد بحسابات الفلكيين، فهو الذي رجحه الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي وهو من كبارهم، قال: "كان قدوم الفيل مكة لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم، يوم الأحد، وكان أوَّل المحرم من تلك السنة يوم الجمعة، وولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بخمسين يومًا يومَ الاثنين لثمان خلت من ربيع الأول، وذلك يوم عشرين من نيسان، وبعث نبيُّنا يوم الاثنين لثمانٍ خلت من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من عام الفيل، فكان من مولده إلى أن بعثه الله أربعون سنة ويوم، ومن مبعثه إلى أول المحرم من السنة التي هاجر فيها اثنتا عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرون يومًا، وذلك ثلاث وخمسون سنة تامة من عام الفيل ".
واعتمد هذا القول الحافظ أبو الخطاب ابن دحية في كتابه: "التنوير في مولد البشير النذير"، ومال إلى تصحيح هذا القول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في كتابه صحيح السيرة النبوية.
" انتهى من الملف العلمي في موقع المنبر "
تنظر الحواشي والمراجع هناك