تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

دائرة التحسينيات وعليه فأنصح إخواني من بعض مدربي البرمجة ألا يروجوا للبرمجة وكأنها لا تنتمي إلا لدائرة الضروريات أو الحاجيات كما أنصح، بالمقابل، بعض إخواني ممن لم يقف على حقيقتها ألا يحصروا البرمجة ضمن دائرة التحسينيات فحسب هكذا على الإطلاق لأن كل بحسبه ولكل مقام مقال.

تنبيه: ولكن تبقى مسألة جوهرية هنا وهي ضرورة التنبه إلى أن البرمجة وإن كانت تتعامل مع القيم والمعتقدات الإنسانية فإن هذا التعامل لا يعني اعتباطاً أن البرمجة تدعو إلى فكر معين أو توجه المستفيد إلى قيم أو معتقدات معينة (كالحداثة، والوجودية، والنسبية وإن كانت النسبية موجودة في بعض فرضياتها وخاصة فرضية "الخارطة ليست هي الحقيقة" مثلاً) وإنما تبين (أي البرمجة) وتشرح للمستفيد عمليا ونظريا كيف أن تغير القيم والمعتقدات له أعظم التأثير على سلوك النفس البشرية وهي تشرح ذلك على نحو ممنهج في معايير مفهومة يستفيد منها الشخص العادي "لمساعدته" على تغيير معتقداته وقيمه السلبية عن نفسه أولاً والعالم من حوله ثانياً، وهي في نظري من محاسن البرمجة مادام أنها على تلك الحال .. أي لا تدعو لقيم أو معتقدات معينة.

ولكن المسألة الخلافية المتبقية هي استقلال البرمجة عن توضيح معيارالخطأ والصواب والحق والباطل والشر وخير، والبعض يعتبرهذه مزية لها من باب قولنا بالعامية:"كثر الله خيرها إنها كذا .. لا تدعو إلى فكر أو اعتقاد .. أقل شي أحسن من بعض التيارات الوافدة". والبعض يعتبرها إشكالية لأنها لا تدعنا على البيضاء ليلها كنهارها، لأنها لا تهتم بطبيعة الفرقان الفاصل بين الشر والخير وما هو نافع وما هو ضار، لأنها تقول ما هو صواب عندك ولو اعتقدت أنه أصاب كبد الحقيقة قد يكون عندي هو من أعظم الخطأ والشطط ... مجانباً للحقيقة مجانبة تامة، ولذلك تكثر في مناقشات بعض المتخرجين من مدرسة البرمجة لخصومهم عبارات مثل:"لا يلزمني أن اوفقك لأن هذا فقط مجرد ما تراه أنت .. وما تظنه أنت ... إنما هي خارطتك الذهنية عن هذا الموضوع".

وهذا في رأيي يعبر عن حالة الكبت التي كان يعاني منها بعض الناس قبل قدوم البرمجة فلما جاءت البرمجة بهذا الأسلوب الزئبقي لتفادي قبول آراء الطرف الآخر وجد بعض دارسيها متنفسا مريحا و "مسرح عمليات" فسيح يردون به كل الآراء التي لا تروق لهم ويصادرون بها كل الأفكار اللتي لا تتماشى مع "خارطتهم الذهنية!! ". ولكنها والحق يقال فرضية جميلة متى ما فهمت فهماً صحيحا وطبقت وبحكمة لأنها "تساعد" على فتح آفاق التفكير وزيادة درجة التسامح وكسر خوذة العبودية لآراء المخلوقين مادامت هذه الآراء غير مستندة إلى أصول الدين ومسائله المعلومة منه بالضرورة كتابا وسنة ... أي أننا نستطيع أن نعتبرها إعادة صياغة لقول مالك رحمه الله:"كل يؤخذ من قوله ويرد إلا هذا" يقصد به الرسول صلى الله عليه وسلم. ولكن، كما ذكرت لكم، المشكلة تكمن في استعمال هذه الفرضية بإفراطٍ فج وغلوٍ قبيح يتمرد به الشخص على إخوانه من حوله حتى يقطع أواصر "الألفة" بينه وبين الآخرين وهو أمر لا تحبذه البرمجة نفسها إذا أن من أهم مبادئها السعي لتحقيق "الألفة" مع الآخرين.

ومن هذا المنطلق يتبين لنا أن السؤال:"هل الناس عامة والمسلمون خاصة محتاجون لتعلم البرمجة؟ " سؤال غير منطقي من أصله وذلك من حيث مفردات هذا السؤال كقولنا:"محتاجون" ومن حيث الافتراض بأنه لا يوجد إلا جواب واحد وهذا خطأ لأن السؤال وكذلك الجواب عليه فيه تفصيل كما أوضحت أعلاه.

هذه مسالة. أما المسألة الثانية فإن لها تعلق بالسؤال الذي افتتحت به مقالي وهو:" البرمجة اللغوية العصبية: منهج حياة أم علم كسائر العلوم؟ "

وكما ذكرت في المقدمة: إن قلت: "البرمجة اللغوية العصبية منهج حياة" فهذا صحيح من وجه وغير صحيح من وجه آخر. وإن قلت:"لا، كلا ... إن البرمجة ما هي إلا علم كسائر العلوم لكان ذلك صحيح من وجه وغير صحيح من وجه آخر". ولكن المعضلة الحقيقية هي في إقتضاء لوازم النفي في كل من العبارتين لإيجاب العبارة الأخرى أو العكس: اقتضاء إيجاب أحدهما لنفي العبارة الأخرى. كيف يكون ذلك؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير