تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

((وهل المراد في حديث عمارة بالرفع المذكور، رفع اليدين عند الدعاء على المنبر؟ أو المراد رفع اليدين لا وقت الدعاء، بل عند التكلم كما هو دأب الوعاظ؟ ... فحديث عمارة يدور إسناده على "حسين بن عبد الرحمن"، ورواته اختلفوا عليه، فرواية عبد الله بن إدريس و أبي عوانة و سفيان، كلهم عن حصين، تدل على المعنى الثاني، ولذلك بوّب النسائي - باب الإشارة في الخطبة - و بوّب ابن أبي شيبة - الرجل يخطب يشير بيديه - وهكذا فهم الطيبي ... ))

قلت (القائل صاحب الفتوى): وكذلك رواية أبي زبيد عند الدارمي، تدل على هذا المعنى، و بوّب الدارمي - باب كيف يشير إمام في الخطبة؟

رجعنا إلى كلام صاحب (عون المعبود)، قال: ((ورواية هُشيم وزائدة وابن فضيل، كلهم عن حصين، تدل على المعنى الأول (أي رفع اليدين عند الدعاء على المنبر) و هكذا فهم النووي ...

قال: وعندي للمعنى الثاني ترجيح من وجهين:

الأول: أنّ أبا عوانة وسفيان الثوري وعبد الله بن إدريس أوثق وأثبت من هشيم ومحمد بن فضيل، وإن كان زائدة بن قدامة مثل هؤلاء الثلاثة في الحفظ. فتعارض رواية هؤلاء الثلاثة الحفاظ لرواية زائدة بن قدامة، والعدد الكثير أولى بالحفظ ...

والثاني: أنّ قوله الآتي: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ما يزيد على هذه، يعني السبابة التي تلي الإبهام" يؤيّد هذا المعنى الأخير، لأنّ رفع اليدين في الدعاء ليس مأثورا بهذه الصفة (قلت (القائل صاحب الفتوى): ويؤيده قول ابن عباس: "المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما، والإستغفار أن تشير بإصبع واحدة، والإبتهال أن تمد يديك جميعا رواه أبو داود مرفوعا موقوفا، وصحح الحفاظ الموقوف، وهو في حكم المرفوع لأن مثل هذا الكلام لا يُقال من قبَل الرأي) بل أراد الراوي أنّ رفع اليدين كلتيهما لتخاطب السامعين ليس من دأب النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنما يشير بإصبعه السبابة)).اهـ كلام صاحب (عون المعبود).

قلت: وحتى رواية ابن فضيل فإنها على المعنى الثاني، فإنّ فيها: "أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه يشير بإصبعيه يدعو" رواه أحمد.

فالمنكر في هذه الرواية إنما هو الإشارة بإصبعين، لا مدّ اليدين مبسوطتين، و الله أعلم، و قوله: "يدعو" لا يريد الدعاء المعهود بل يريد الإشارة، بقرينة قول ابن الزبير: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - أي في تشهده - يدعو هكذا في الصلاة، و أشار بإصبعه" رواه الدارمي و اللفظ له، و أبو داود و النسائي ...

والعجيب أن الشيخ الألباني رحمه الله، أقرّ العلامة صديق حسن خان في قوله: "و كان إذا ذكر الله تعالى أشار بالسبابة" وهذا واضح أنه يميل إلى ترجيح حديث عمارة على المعنى الثاني، فتأمل.

ولكن ما لنا نكثر القيل والقال، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيدينا في هذا الباب؟

فعن أنس قال: "أتى رجل أعرابي من أهل البدو إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الجمعة، فقال: يا رسول الله، هلكت الماشية، هلك العيال، هلك الناس، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو، ورفع النلس أيديهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون" رواه البخاري.

قال المباركفوري (التحفة1/ 247): ((هذا الرفع هكذا، و إن كان في دعاء الإستسقاء، لكنه ليس مختصا به، ولذلك استدل البخاري في كتاب "الدعوات" بهذا الحديث على جواز رفع اليدين في مطلق الدعاء)).اهـ

قلت: ومما يدلك على أن رفع اليدين على المنبر ليس مختصاً بالإستسقاء، أنه قال في الحديث نفسه:

... ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب ... فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها؟ قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: ((اللهم حوالينا و لا علينا)).

فدعاءه صلى الله عليه وسلم الثاني هذا، لم يكن للإستسقاء يقينا، وإنما كان لرفع الضرر ودفع البلاء وهذا يرد على قول ابن تيمية رحمه الله: "و يكره للإمام رفع يديه حال الخطبة".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير