وقوله في الحديث: "ورفع الناس أيديهم يدعون" أي يؤمّنون على دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا اللفظ يرد على أيضا على الألباني رحمه الله حيث ذكر في "الأجوبة النافعة" من جملة بدع الجمعة: "رفع القوم أيديهم تأمينا على دعائه" ثم قال تحته: ((قلت-أي الألباني- و ذكر ابن عابدين في "حاشيته": أنهم إذا فعلوا ذلك أثموا على الصحيح))!!! اهـ
ولم يتعقبه بشيء وكأنه ارتضاه، ولا أدري ما هو دليل صاحب هذا القول، ولعله اغتر بحديث عمارة السابق، وقد تبيّن لك ما فيه، وحديث أنس حجة في هذا الباب، فلا يلتفت إلى قول يخالفه، خاصة إذا كان رأيا أو تأويلا لبشر!.)). انتهى.
قال أبو الزهراء: لاحجة له في كل ما ذكر بل هو حجة عليه والحمد لله رب العالمين, ونحن نرد عليه من وجوه:
أوَّلاً: يجب التفريق بين مطلق رفع اليدين في الدعاء, وبين مطلق الإشارة باليدين في الخطبة, وبين رفع اليدين للدعاء في خطبة الجمعة.
فالرفع الأول سنة, والثاني كذلك, والثالث بدعة, وسيأتي بيانه.
ثانياً: طرق الحديث, أما الحديث الذي قال أنه عمدتنا فقد جاء في ((صحيح مسلم)) في باب الجمعة: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ قَالَ: رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ، فَقَالَ: قَبَّحَ اللهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ.
قال الشيخ المحدث أبو محمد الألفي حفظه الله ونفع به:
((اقتصر الإمام مسلم فى ((صحيحه)) على روايتين فقط من روايات عدَّةٍ لحديث عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ، هكذا:
قال فى ((كتاب الجمعة)) (1443): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ قَالَ: رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعاً يَدَيْهِ، فَقَالَ: قَبَّحَ اللهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ.
وحَدَّثَنَاه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: رَأَيْتُ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَقَالَ عُمَارَةُ بْنُ رُؤَيْبَةَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وبالاقتصار على هاتين الروايتين دون النظر فى سائر روايات الحديث، فقد يتبادر إلى الفهم: النهى عن رفع اليدين بمرَّة حال الخطبة على المنبر يوم الجمعة، كما هو الظاهر من إطلاق رواية ابْنِ إِدْرِيسَ ((عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعاً يَدَيْهِ))، وتقييد رواية أبى عوانة بخطبة الجمعة ((يَرْفَعُ يَدَيْهِ يَوْمَ جُمُعَةٍ)).
وأقول: ولا يتضح المراد من حديث ابْنِ رُؤَيْبَةَ على التحقيق، إلا بالنظر إلى سائر رواياته، واختلاف ألفاظها، والترجيح بينها.
فاعلم أن مدار حديث عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ على حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وقد رواه عنه جمع من الأئمة الرفعاء الأثبات، وقد اختلفوا فى موضع رفع اليدين: هل كان الرفع فى الدعاء، أو عند التكلم، كما هو حال أكثر الخطباء، أنهم يحركون أيديهم يمينا وشمالا، يقصدون حمل السامعين على الانتباه والتيقظ؟.
ذكر من قال من الرواة أنه كان رافعاً يديه على المنبر بالدعاء:
اتفق شُعْبَةُ، وَزَائِدَةُ، وزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وهُشَيْمٌ، ومُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، والثَّوْرِىُّ من رواية الفريابى عنه، سبعتهم على أن بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ كان رافعاً يديه على المنبر يدعو، وهاك التفصيل:
¥