ومنها دعاؤه صلى الله عليه وسلّم عندما دخل على أبي سَلَمة وقد مات فقال صلى الله عليه وسلّم: " اللهُمَّ اغفر لأبي سلمة و ارفعْ دَرَجتَه في المهديِّين واخلُفْهُ في عَقِبِهِ في الغابرين و اغفر لنا وله يا ربَّ العالمين، وافسَحْ له في قبره، ونوِّر له فيه " رواه مسلم.
ثمّ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بغَسْل الميّت و تكفينه و الصلاة عليه و اتّباع جنازته، و الأحاديث في ذلك كثيرة و متواترة.
قال الإمام النووي رحمه الله: " اعلم أن الصلاة على الميت فرض كفاية، و كذلك غسله و تكفينه و دفنه، و هذا كلّه مجمع عليه ". (الأذكار) باب أذكار صلاة الميّت.
· و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (حقّ المسلم على المسلم خمس: ردّ السلام، و عيادة المريض، و اتباع الجنائز، و إجابة الدعوة، وتشميت العاطس) متفق عليه.
· و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (من اتّبَع جنازة مسلم إيماناًَ و احتساباً، و كان معه حتى يُصلَّى عليها و يُفرَغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أُحدٍ، و من صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن، فإنه يرجع بقيراط). رواه البخاري.
_ مسألة التّعزية:
_ الأصلُ الشرعي لمسألة التعزية استفادَهُ العلماء من النصوص العامّة كقوله تعالى:
{و تعاونوا على البر و التقوى} وهذا من أحسن ما يُستدلُّ به في التعزية، ومن قوله عليه الصلاة والسلام الثابت في الصحيح (و الله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه)
ذَكَرَ ذلك الإمام النووي في " الأذكار" باب التعزية.
· قال الإمام النووي في كتابه " الأذكار ": و اعلم أن التعزية هي التصبير و ذُكر ما يسلِّي صاحبَ الميّت و يخفِّفُ حزنه و يهوّن مصيبته، و هي مستحبّة. ا. هـ
· قال الإمام الشوكاني في كتابه " نيل الأوطار " ج4 صـ116:
وثمرةُ التعزية الحثُّ على الرجوع إلى الله تعالى ليحصل الأجر. قال في البحر "و المشروع مرّة واحدة " انتهى. قال الهادي و القاسم والشافعي: وهي بعد الدفن أفضل لعظم المصاب بالمفارقة. و قال أبو حنيفة و الثّوري: إنّما هي قبله لقوله صلى الله عليه وسلّم: (فإذا وَجَبَ فلا تبكينّ باكية) أخرجه مالك و الشافعي وأحمد و أبو داود و النسائي و ابن حبّان و الحاكم، و المراد بالوجوب: دخول القبر كما وقع في رواية لأحمد. و لأنّ وقت الموت حال الصدمة الأولى كما سيأتي، و التعزية تسلية فينبغي أن يكون وقت الصدمة التي يشرع الصبر عندها. ا.هـ
· _ وأمّا الأحاديث التي تُروى في ثواب التعزية فلا تصحّ كما قال علماء الحديث.
· فحديث (من عزّى مُصاباً فله مثل أجره) قال عنه النووي إسناده ضعيف.
· وحديث (منْ عزّى ثَكْلَى كُسِيَ بُرْداً في الجنة) قال الترمذي: ليس إسناده بالقوي.
· وحديث (ما من مؤمنٍ يُعزِّي أخاه بمصيبته إلا كساه الله عز ّوجلّ من حُلَلِ الكرامة يوم القيامة) رواه ابن ماجه و في سنده " قيس أبو عمارة " قال عنه الإمام البخاري: فيه نظر. و ذكره العقيلي في الضعفاء، وأورد له حديثين وقال: لا يتابع عليهما، أحدهما الذي أخرجه ابن ماجه في التعزية بالميت.
انظر تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني.
· _ مما سبق يعلم أن السنّة التي حضّنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلّم و جعلها من حق المسلم على أخيه المسلم هي: اتباع الجنازة و الصلاة عليها و دفنها. وأحاديثها صحيحة.
و أمّا التعزية فليس فيها حديث يصح، و إنما استفادها العلماء من عموم النصوص، وكذلك من فعله صلى الله عليه وسلّم وقالوا إنها مستحبّة و فيها تسلية للمصاب خاصّة إذا كان جزعاً.
· و الذي يحدث في أيّامنا هذه، بعيدٌ كل البعد عن كل ما ذكر، فقد أحدثوا أمراً جديداً و هو مجلس العزاء (التمساية، أو العصرية) وقد انعكس الأمر فيه فصار مجلس النّساء صامتاً، يدخُلْنَ بصمت إلى غرفة قليلة النور، ويخرجن بصمت و لا يعزي أحدٌ أحداً، ومجلس الرجال فيه النياحة، يرفعون أيديهم عند الدخول كناية عن السلام، وقد يلقيه بعضهم، وعند الخروج يقول عظّم الله أجركم، بعد أن يجلس بقدر شرب فنجان من القهوة! والاستماع إلى شيء من القرآن يقرؤه بعض المأجورين من المغنين!!.
¥