هذه هي الحالة التي تكلم عنها شيخ الإسلام في شرح العمدة المنقول آنفا، وهو يختلف عن كلامه الآخر الذي في المجموع ـ ونقله المشايخ ـ الوارد في شأن من أصر على ترك الصلاة حتى يقتل.
والدليل على التفريق خلافا لصنيع المشايخ , أن شيخ الإسلام عندما تكلم في شرح العمدة عن
التارك الممتنع عن أداء الصلاة، بيّن أن كفره كفر الظاهر كما في ص (93) من الجزء الثاني حيث قال:
" ومن قال من أصحابنا لا يحكم بكفره إلا بعد الدعاء والامتناع، فينبغي أن يحمل قوله على الكفر الظاهر " ا. هـ
وقال (2/ 94):
" فإن دعي وامتنع حكم عليه بالكفر الظاهر " ا. هـ
وقال (2/ 92):
" ... فهذا يثبت إذا ظهر لنا كفره، إما بقول ... أو عمل مثل السجود للصنم .. والامتناع عن الصلاة " ا. هـ
أما عند كلامه عن صورة الإصرار على الترك حتى القتل , فهو قد بين أن كفره كفر الباطن أيضا، ومنه كلامه الذي نقله المشايخ من المجموع (22/ 47 - 49)
بدليل قوله:
" ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل , لم يكن في الباطن مقرا بوجوبها ولا ملتزما لفعلها , وهذا كافر باتفاق المسلمين " ا. هـ
وقوله في (7/ 614):
"ولا يتصور في العادة أن رجلا يكون مؤمنا بقلبه، مقرا بأن الله أوجب عليه الصلاة , ملتزما لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به، يأمره ولي الأمر بالصلاة فيمتنع حتى يقتل , ويكون
مع ذلك مؤمنا في الباطن!! لا يكون إلا كافرا " ا. هـ
أي لا يكون إلا كافرا في الباطن.
فالمصر على الترك حتى القتل كفرُه كفر الباطن أيضا، بخلاف من دعي إلى الصلاة فامتنع دون تهديد أو قتل، فكفره كفر الظاهر فقط.
ثم المصر حتى القتل كفره من جهة الاعتقاد , بخلاف الممتنع في غير تهديد، قال شيخ الإسلام في المجموع (7/ 219):
" فإنه يمتنع في الفطرة أن يكون الرجل يعتقد أن الله فرضها عليه وأنه يعاقب على تركها , ويصبر على القتل ولا يسجد لله سجدة من غير عذر له في ذلك , هذا لا يفعله بشر قط ... "
وكل ما ورد عن شيخ الإسلام في هذا المعنى يدل على هذا.
أما الممتنع في غير تهديد ولا قتل، فكفره من جهة الانقياد والترك، قال شيخ الإسلام في شرح العمدة (2/ 91 - 92) عن الممتنع:
" ... إلا أنه لا يسقط عنه شيء من الصلوات وإن أسقطناها عن المرتد , لأنه إنما كفَرَ بتركها , فلو سقطت عنه لزال سبب الكفر , وإذا صلى بعد الامتناع عاد بذلك إلي الإسلام من الردة وصحت صلاته ... لأن هذا كفره بترك فعل، فإذا فعله عاد إلى الإسلام، كما أن من كفره بترك الإقرار إذا أتى بالإقرار عاد إلي الإسلام " ا. هـ
فقوله: " إنما كفر بتركها، فلو سقطت عنه لزال سبب الكفر" (8)
وقوله: " لأن هذا كفره بترك فعل "
ظاهران في بيان أن كفر الممتنع إنما هو من جهة الترك والانقياد , وكل نصوص شيخ الإسلام الواردة في الممتنع تدل على هذا وليس في شيء منها ما يدل على خلافه.
ثم من الفروق أيضا أنه عندما يذكر صورة الامتناع (أي الدعاء إلى الصلاة دون تهديد بالقتل مع حصول الامتناع) فإنه لا يستنكر على من يخالف في هذه المسألة، وإنما يذكر كفره فقط أي كفر الممتنع.
أما إذا ذكر المصر على الترك حال القتل فإنه يشدد في وصف كفره , ويستنكر على من يحكم بإسلامه , وأحيانا ينقل الاتفاق علىكفره انظر المجموع (7/ 219) (7/ 614 - 615) (22/ 48)
(35/ 106) فهو رحمه قد حكم على من قال بإسلامه بأنه دخلت عليه شبهة الإرجاء كما في (7/ 615)
بخلاف تكفيره للممتنع فلم يردعنه شيء من هذا وحاشاه.
والجدول التالي يبين لك بوضوح هذه الفروق:
المصر على الترك حتى القتل الممتنع عن الصلاة بعد الدعاء إليها دون تهديد
كفره كفر الباطن أيضا كفره كفر الظاهر فقط 1
كفره من جهة ترك الاعتقاد أيضا كفره من جهة ترك الفعل (ترك الانقياد) 2
نقل في أكثر من موطن الاتفاق (اتفاق المسلمين) نقل فيه الاختلاف ولم ينقل الاتفاق أبدا 3
لا يسوغ فيه الخلاف وعدم التكفير ناشيء عن شبهة الإرجاء الخلاف فيه سائغ ولا علاقة له بالإرجاء 4
يصفه بأوصاف النفاق والزندقة إضافة لوصف الكفر لا يجاوز في الحكم على صاحبه وصفَ الكفر 5
فالمشايخ غفر الله لهم لم يراعوا كل هذه الفروق ولم يلتفتوا إليها
وتوجد عبارات أخرى لشيخ الإسلام يوضح فيها حالة الامتناع بما يبطل ما اشترطه المشايخ (9) تركتها خشيه الإطالة.
¥