ويكفي أن مشايخنا لم يذكروا لا عن شيخ الإسلام ولا عن غيره , أن القتل أو خطواته شرط في حصول الكفر في حالة الامتناع، وأنى لهم ذلك مع التفريق السابق.
أما قولهم:
" والامتناع هنا لزوما هو الامتناع الذي يتبعه القتل (10) كما في أول كلامه رحمه الله "
فهم أرادوا بأولِ كلامه أولَ كلامه الذي نقلوه من شرح العمدة كما هو ظاهر قولهم , فهو بلا شك قوله رحمه الله:
" يحكم بكفره في الوقت الذي يباح فيه دمه وهو ما إذا دعي فامتنع "
وهو لا يدل على ما ذهبوا إليه لا من قريب ولا من بعيد، لأنه لم يذكر القتل البتة، والمشايخ يدركون الفرق بين إباحة الدم وبين إراقة الدم وسفكه , وهذا تماما كقولهم فلان أهدر دمه، فلا يعني ذلك أنه قتل، بخلاف قولهم سفك دمه أو أريق دمه , فقول شيخ الإسلام: "يباح فيه دمه" يماثل قولهم: يهدر فيه دمه
فغاية ما يدل عليه كلامه رحمه الله أن الممتنع عن فعل الصلاة بعد دعوته إليها إنما يثبت كفره في اللحظة التي يصدر فيها امتناعه , وإذا ثبت كفره حل دمه بذلك تلقائيا , فأين القتل؟
فإن قالوا: مَنْ أُبيح دمه فلا بد أن يقتل.
قيل لهم: شرعا لا بد أن يقتل، أما كونا فقد لا يحصل القتل، أرأيتم لو أن قاض حنفيا دعا أحد
تاركي الصلاة لفعلها, فامتنع ذلك التارك , فأمر هذا القاضي الحنفي بحبسه ولم يقتله كما هو المذهب عنده، فهذا الممتنع قد كفر عند شيخ الإسلام وقت صدور الامتناع منه وحل دمه بذلك، لأنه دعي فامتنع مع أنه لم يُقتل ولن يُقتل.
فلا علاقة للقتل بالامتناع وحكمه , وليس في كلام شيخ الإسلام ما يؤيد كلام المشايخ كما أوهم عزوهم لأول كلامه رحمه الله (11)
أما قولهم ص (29): " نقول وبه تماما نقول " كما تقدم نقله مظهرين الموافقة التامة لكلام شيخ الإسلام الذي نقلوه، فهو من غلطهم البيّن، فهم غفر الله لهم قد قرروا خلافه, وبيان هذا فيما يلي:
نقل المشايخ ص (28 - 29) عن شيخ الإسلام قوله:
" ... ومتى امتنع الرجل عن الصلاة حتى يقتل, لم يكن في الباطن مقرا بوجوبها ولا ملتزما بفعلها, وهذا كافر باتفاق المسلمين كما استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا, ودلت عليه النصوص الصحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم: ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة: رواه مسلم وقوله "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" ا. هـ
فعلق المشايخ على هذا الكلام مباشرة بقولهم: "نقول وبه تماما نقول"
وشيخ الإسلام رحمه الله قد قرر في كلامه هذا أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم "ليس بين العبد ... " والحديث الآخر "العهد الذي بيننا وبينهم ... " هما في الكفر الأكبر وأقر المشايخ هذا الكلام كما تقدم، ثم عادوا فقرروا أنها في الكفر الأصغر بدءا من الصفحة نفسها التي أقروا فيها كلام شيخ الإسلام وأيضا ص (37 - 48 - 64 - 71).
أما ص (29) وهي نفس الصفحة التي أقروا فيها كلام ابن تيمية، فقد ذكروا فيها كلاما لابن القيم وعلقوا في الهامش بصريح العبارة: " أي كفر دون كفر".
وكان هذا تعليقا على ما ذكره ابن القيم من إطلاق الرسول صلى الله عليه وسلم على تارك الصلاة وصف الكفر.
وهل أطلق النبي صلى الله عليه وسلم وصف الكفر على التارك إلا في حديث: "العهد الذي بيننا وبينهم ... " وحديث: " ليس بين العبد وبين الكفر ... “ والذي أقر المشايخ في كلامهم الأول أنه في الكفر الأكبر.
وقالوا أيضا ص (48):
"ما يذكر من ألفاظ الكفر الواردة في أحاديث ترك الصلاة, يذكر نفسه وعن الصحابة أنفسهم, في الأحاديث الأخرى الوارد فيها وصف بعض المعاصي والذنوب بالكفر والتكفير مما لم يقل أحد من أهل السنة بتكفير مرتكبها"ا. هـ
وقالوا ص (71):
"والمفرقون بين النصوص الواردة في التكفير لتارك الصلاة والنصوص الأخرى في التكفير للمواقع بعض الكبائر, إنما يفرقون بلا دليل فلا نطيل"
ومثل هذا الاضطراب من المشايخ لا ينبغي.
4 - أما ما يفهم من نقلهم وتعليقهم من أن شيخ الإسلام لا يكفر إلا التارك المصر على الترك حال تهديده بالقتل (12) فهو باطل.
لأن شيخ الإسلام قرر في مواطن كثيرة من كتبه كفر آخرين من تاركي الصلاة.
فهو يكفر من كان تاركا للصلاة بالكلية، وإن لم يعرض على السيف ولم يهدد بالقتل, وإنما كان تاركا ومات على تركه.
كما في شرح العمدة (2/ 83 - 85 - 86 - 93) و المجموع (35/ 105).
¥