ويكفر من دعي فامتنع وهو غير المصر حتى القتل وقد تقدم بيانه.
ويكفر من كان يصلى مخلا ببعض الشرائط والأركان التي لا يسوغ فيها الخلاف كما في شرح العمدة (2/ 93 - 94).
فنسبة ذلك الحصر إليه باطلة لا تصح، والله أعلم.
وهذا آخر ما رأيت من ملاحظات على مبحث "تكفير تارك الصلاة"، من مجلة الأصالة العدد المعنون بـ " تنوير الأرجاء" وثمة نقاط أخرى لم تبد لي أهمية ذكرها فتجاوزتها.
ويعلم ربى وهو أعلم بي أني ما أردت من كتابة هذا المبحث إلا التذكير والنصح، لما رأيته من تساهل في النقل والترجيح والتعبير، مما أوقع هؤلاء المشايخ الفضلاء في هذه الهفوات والتي أجدها في نفسي عظيمة، فرأيت أن أبينها في صورة رد علّها تبعث على الانتباه والتيقظ، والتركيز في النقل، والتحري في تصحيح المعلومة.
لأنه مما ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا، أن كائنا من كان، مهما لمع اسمه وبرق وعلا في سماء الكتابة والتصنيف , فإنه لن يعرف للعلم الصحيح طريقا (فيما يقصد من كتابات) إلا بالمنهج العلمي السليم، القائم على البحث والتتبع، وفق أسس كل فن وقواعده , والجمع لكل أطراف الأدلة , للوصول إلى حقيقة ما تعنيه وتدل عليه.
لأن المعلومة الصحيحة لا تفرق بين الأحرف والأسماء أو الألقاب، ولا تأتى بنفسها إلى من يسأل عنها، وإنما لها طريق يسلكه من أعد للأمر عدته وأخذ بأسبابه , وتزود بزاده المعروف لدى السُّلاّك، ولا تخلو رحلة من عناء ووعثاء.
أما البحث في المسائل على ضوء الموافقات , وتتبع ما يلائم، وتجاهل ما يلوح من معارضات والاشتغال بتنميق العبارات، فهذا بالاضافة إلى أنه لن يوصل إلى علم صحيح , فإنه سيظهر أمره للمتابعين من القراء , ولن يجد إلا الترك أو الاعتراض والنقد.
هذا و أسال الله العلي الكريم أن يسدد خطانا، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يوفقنا للخير وسبله، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يهدي المشايخ الكرام إلى الحق والصواب، وأن يجنبهم الخطأ والزلل إنه أكرم مسئول.
وختاما سبحانك اللهم بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك و أتوب إليك.
وكتب: أبو عبد الرحمن محمد بن خليفة الهاشمي
الهوامش:
(1) الكلام للمشايخ
(2) شرح العمدة (2/ 92 - 93 - 94)
(3) وقد يقال: النقل طويل فلا يحسن الإلزام به.
فيقال: الإطالة لإتمام المعنى خير من الاختصار مع هدره وإيهام ضده، ثم يمكن الاختصار مع الإشارة إلي معنى ما تبقى مما هو مهم.
(4) فإن قيل: هذا يتعلق بأحكام الآخرة وليست هي المقصد، فيقال الجواب من وجوه:
أولا: أنتم لم تبينوا عند نقلكم للطرف الأول من الكلام أنه خاص بأحكام الدنيا حتى تقولوا إن ما استدركناه عليكم يتعلق بأحكام الآخرة، إنما أجملتم فلزمكم ما ألزمناكم به من نقل باقي الكلام.
ثانيا: أنكم تكلمتم عن كفر النوع لا كفر العين, والكلام الذي ألزمناكم بنقله كذلك هو عن كفر النوع، ونحن لا نريد أن ننزل أحكاما على الأعيان حتى تقولوا لنا هذا يتعلق بأحكام الآخرة، وإنما كلامنا وكلامكم مراد به حكم النوع.
ثالثا: أن المسألة واحدة وما تعلق بها من أحكام الدنيا أو أحكام الآخرة فإنما هو منها ليس بأجنبي عنها.
رابعا: أن أحكام الكفر في الدنيا إن كان بيانها يعني أحد أمرين:
1ـ إما تعريف المكلفين بها ليجتنبوا أن يكونوا من أهلها.
2ـ أو لتقام عليهم إجراءاتها
فكذلك أحكام الكفر في الآخرة بيانها في الدنيا يعرف المكلفين بها ليجتنبوها.
(5) جزئية إثبات الكفر الظاهر في حق التارك
(6) ولا يرد على كلامي هذا ما قد يرد من أهل العلم, من استعمال لفظ امتنع أو يمتنع أو الامتناع, عند كلامهم على مسألة أخرى، ككلامهم مثلا على كفر الباطن، فقد يتعرضون لحصول الامتناع حال التهديد بالقتل أو حال تنفيذ القتل , هذا لا علاقة له بمسألتنا وللتوضيح:
فإن أي تارك للصلاة لو أتي به إلى قاض أو عالم أو غيرهما، فدعاه لفعل الصلاة فإما أن يستجيب فيصلي وإما أن يمتنع , فإذا امتنع فامتناعه هذا وحالته هذه هي الجزئية التي تكلم عنها شيخ الإسلام في النقل الذي ذكره المشايخ عن العمدة, وهى التي نفيت أن يكون فيها كلام لشيخ الإسلام أو غيره يذكر فيه قيد القتل على سبيل الاشتراط في هذه الصورة وحكمها.
¥