ثانياً: المفهوم الاصطلاحي للجنسية والتجنس:
يعرِّف القانونيون الجنسية بأنها:
«الرابطة القانونية والسياسية التي تربط بين الفرد والدولة، والتي بمقتضاها يعتبَر الفرد جزءاً في شعب الدولة يتمتع بالحقوق المترتبة على تمتعه بجنسية الدولة والتي لا يتمتع بها الأجنبي كأصل عام، ويلتزم أيضاً بالالتزامات التي تترتب على وصف الوطني والتي لا يلتزم بها الأجنبي» [3].
وعرّفها بعض القانونيين بقوله: «رابطة سياسية وقانونية بين الفرد والدولة» [4]، وهناك من يضيف إلى هاتين الرابطتين رابطة ثالثة؛ هي الرابطة الاجتماعية، خاصة إذا كان شعب الدولة مكوناً من أمة واحدة [5].
وعرّفتها محكمة العدل الدولية في السادس من أبريل سنة 1951م بأنها: رابطة قانونية قائمة أساساً على رابطة اجتماعية وتضامن فعال في المعيشة والمصالح والمشاعر، مع التلازم بين الحقوق والواجبات [6].
وأما التجنس فهو:
طلب انتساب إنسان إلى جنسية دولة من الدول وموافقتها على قبوله في عداد رعاياها، وينشأ عن ذلك التجنس خضوع المتجنس لقوانين الدولة التي تجنَّس بجنسيتها، وقبوله لها طوعاً أو كرهاً، والتزام الدفاع عنها في حال الحرب [7].
وأما كيفيته:
فهو يتم عبر عمل اختياري يحصل بموجبه أحد رعايا دولة ما على عضوية رعية دولة أخرى، وغالباً ما تتلاشى الناحية الاختيارية من تجنس الفرد في عملية التجنس الجماعية، ويحدث عادة إما بموجب معاهدة بين دولتين تتبعها عملية تجنس جماعية لسكانها من جانب الدولة التي تستولي عليها، أو عملية فتح تتبعها عملية ضم إلى أرض العدو [8].
وللتجنس شروط تشترطها الدول، فمنها العام، ومنها الخاص ببعض الدول [9].
- آثار التجنس:
إن أهم أثر يترتب على التجنس هو كسب صفة الوطني، والتي تستوجب التمتع بجميع الحقوق التي يتمتع بها الوطني الأصلي والالتزام بكافة الواجبات التي يُلزم بها، ولعل من أهم هذه الحقوق والواجبات ما يلي:
أولاً: الحقوق:
يكون المتجنس مساوياً في الحقوق للوطني في الجملة وإن استثنيت بعض الأمور كالتقدم لوظائف حساسة، ومن بين هذه الحقوق:
1 - الحصول على حق المواطنة.
2 - التمتع بالإقامة الدائمة.
3 - تكفل الدولة الحماية الدبلوماسية للمنتسب إليها، وتتولى القنصليات رعاية أحواله الشخصية خارج البلد.
4 - التمتع بالحقوق السياسية كحق الانتخاب بعد اجتياز فترة الاختبار، وبممارسة الحريات الأساسية.
ثانياً: الواجبات:
من أهم الواجبات:
1 - خضوع المتجنس لقوانين الدولة والاحتكام إليها.
2 - المشاركة في جيشها والتزام الدفاع عنها في حالة الحرب.
3 - تمثيل الدولة خارجياً.
4 - مشاركته في بناء صرح الدولة [10].
المطلب الثاني: حكم التجنس بجنسية الدولة غير المسلمة:
البحث في هذه المسألة يختلف عن البحث في مسألة الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام من حيث إن الهجرة أمر قديم بقِدَم الإسلام، وتناوله العلماء في كتب الفقه والتفسير وشروح الحديث وغيرها.
وأما التجنس فمسألة حادثة ونازلة لم تكن على عهد السلف والأئمة. وإنك لواجد في كتب الأئمة الفقهاء التفصيل الواضح في أحكام الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، وأحكام الأقليات غير المسلمة في المجتمع المسلم، أما فقه الأقليات المسلمة في البلاد غير المسلمة فنادر في كتب الفقه؛ لأنه نادراً ما كان يحتاج المسلم للإقامة الدائمة هنالك؛ لوجود الخلافة الإسلامية التي يأوي إليها المسلم ويتفيأ ظلالها، ولانعدام الحدود بين الدول الإسلامية، فأينما تيمم المسلم في بلاد الإسلام فهو في بلاده لا يحسّ بغربة ولا وحشة، وكذا العزة الإسلامية التي يتمتع بها المسلم فهو ليس بحاجة للإقامة في بلاد الكفر فضلاً عن التجنس بجنسياتها، ذلك أن التجنس بجنسية الدول الكافرة موطئ للإقامة في بلاد الكفر، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على خلل أو ضعف حلَّ بالمسلمين والخلل العظيم في هويتهم، إذ المهزوم والضعيف هو الذي يريد أن يشابه المنتصر والقوي فيقتدي به.
ومن نظر في التاريخ وجد أن هذا أمر مطَّرِد، فوقت أن كانت الدولة للمسلمين كان المشركون حريصين على تعلُّم لغتهم والعيش في بلادهم؛ ليتمتعوا بالأمن والعدل ورغد العيش الذي كانت بلادهم قفراً منه.
¥