6 - أن يكون القيام في البيت:
فقد ثبت من حديث زيد بن ثابت في الصحيحين قال: احتجر رسول الله حُجيرة بخصفة أو حصير فخرج رسول الله e يصلي فيها، قال: فتَتبَّع إليه رجال وجاؤا يصلون بصلاته، قال: ثم جاءوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله e عنهم، قال: فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج إليهم رسول الله e مغضباً، فقال لهم رسول الله e : ( ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة).
رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم ().
وأما لفظ البخاري (فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة).
وعن عبدالله بن عمر عن النبي e قال: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا) رواه البخاري ومسلم ().
وقد تضمن حديث زيد بن ثابت أموراً توضح أن الخطاب عامٌ في الصلاة النافلة، وفي الحديث أيضاً من أمور الفضائل شيءٌ عظيم ولكن قدّم النبي e الصلاة في البيت على هذه الفضائل وهي:
1 - أن الإمام رسول الله e ويا لها من ميزة وخصيصة عظيمة.
2 - أن المكان هو المسجد النبوي وقد علم فضل الصلاة فيه عن غيره من المساجد.
3 - أن الوقت في رمضان وفي صلاة التراويح التي هي قيام الليل.
4 - أنها جماعة المسلمين وكلهم من الصحابة الأجلاء.
وبما أننا قد وصلنا لهذه المسألة فيحسن الآن بيان شيءٍ من التفصيل فيها. فإن من تأمل خطاب النبي e وعرف ما فيه بتأمل وتدبر تبين له أيهما أفضل لمن كان يحمل القرآن ولا يخشى على نفسه.
وتأمل فعل السلف من الصحابة والتابعين وعلم حالهم علم أن المسألة عند جمهورهم فيها أمر مستحب وفيها أمرٌ جائز.
فالمستحب أن تكون وفق السنة الكاملة كما سبق.
والجائز أن يصليها مع الناس في المساجد، وقد يكون مستحباً لبعض الناس دون بعض.
وهذا بيان أقوال العلماء في المسألة:
القول الأول: من قال يصلي في المسجد:
قال أبو عبدالله بن قدامة في المغني: والمختار عند أبي عبدالله (أي أحمد) فعلها في الجماعة، قال في رواية يوسف بن موسى: الجماعة في التراويح أفضل، وإن كان رجل يقتدى به فصلاها في بيته خفت أن يقتدي الناس به ... قال ابن قدامة: وبهذا قال المزني وابن عبدالحكم وجماعة من أصحاب أبي حنيفة ().
وقال النووي في المجموع: أيهما أفضل؟ فيه وجهان مشهوران كما ذكر المصنف –أي صاحب المهذب- وحكاها جماعة قولين والصحيح باتفاق الأصحاب أن الجماعة أفضل وهو المنصوص في البويطي وبه قال أكثر أصحابنا المتقدمين. أهـ ().
وقول النووي رحمه الله باتفاق الأصحاب فيه نظر سيأتي بيانه.
قال ابن عبدالبر في التمهيد: وقال قوم من المتأخرين من أصحاب أبي حنيفة: عيسى بن أبان وبكار بن قتيبة وأحمد بن أبي عمران، ومن أصحاب الشافعي إسماعيل بن يحيى المزني ومحمد بن عبدالحكم كلهم قالوا الجماعة في المسجد في قيام رمضان أحب إلينا وأفضل من صلاة المرء في بيته.
واحتجوا بحديث أبي ذر عن النبي e : ( إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة).
وإلى هذا ذهب أحمد بن حنبل قال أبو بكر الأثرم: كان أحمد بن حنبل يصلي مع الناس التراويح كلها يعني الإشفاع إلى آخرها ويوتر معهم، ويحتج بحديث أبي ذر. قال أحمد: كان جابر وعلي وعبدالله يصلونها في جماعة.
قال الأثرم: وحدثنا عبدالله بن رجاء قال حدثنا إسرائيل عن أبي سنان عن سعيد بن جبير قال: لأن أصلي مع إمام يقرأ حديث الغاشية أحب إلي أن أقرأ مائة آية في صلاتي وحدي.
قال ابن عبدالبر: هذا عندي لا حجة فيه لأنه يحتمل أن يكون أراد صلاة الفريضة. أهـ. بطوله ().
قلت: وكلام سعيد بن جبير نقل خلافه أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار أن سعيد بن جبير كان يصلي في رمضان في المسجد وحده والإمام يصلي بهم فيه ().
القول الثاني: أنها تُصلى في البيوت:
ولهم أدلة منها:
لم يجمع أبو بكر الصديق الناس لصلاة الجماعة في التراويح.
لم تفعل إلا في أواخر خلافة عمر t كما حقق المعلمي رحمه الله ذلك في (قيام رمضان) وقيل غير ذلك.
وهذه السنين كلها كان الصحابة يصلونها أفراداً في المسجد، وإنَّما جمعهم عمر لما كثر اللغط والاختلاف في المسجد لكثرة القراء والأئمة.
¥