[كيف تعرف قلة تدليس الراوي؟]
ـ[ابن معين]ــــــــ[18 - 11 - 02, 02:20 م]ـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده، وبعد:
فإن القرائن التي يعرف بها الأئمة قلة تدليس الراوي _ أو عدم تدليسه _ متنوعة، وقد رأيت ابن حجر قد نبه لبعضها في شرحه على الصحيح (فتح الباري) فأحببت إفادة الإخوة بها:
قال ابن حجر في الفتح (3/ 412): (ورواية صالح بن كيسان عن نافع من الأقران، وقد سمع ابن جريج من نافع كثيراً، وروى هذا عنه بواسطة، وهو دال على قلة تدليسه، والله أعلم).
وقال أيضاً (10/ 26): (فإسماعيل (وهو ابن أبي أويس) في حديث أبي سعيد يروي عن سليمان بن بلال بغير واسطة، وفي حديث عائشة هذا يروي عنه بواسطة، وقد تكرر له هذا في عدة أحاديث، وذلك يرشد إلى أنه كان لا يدلس).
وقال أيضاً (10/ 364): (وشيخه (أي عبيدالله بن حفص) هنا عمر بن نافع، والراوي عنه هو ابن جريج أقران متقاربون في السن واللقاء والوفاة، واشترك الثلاثة في الرواية عن نافع، فقد نزل ابن جريج في هذا الإسناد درجتين، وفيه دلالة على قلة تدليسه).
وقال أيضاً (11/ 23): (قوله (حدثنا أبو مجلز عن أنس) قد تقدم في باب الحمد للعاطس لسليمان التيمي حديث عن أنس بلا واسطة، وقد سمع من أنس عدة أحاديث، وروى عن أصحابه عنه عدة أحاديث، وفيه دلالة على أنه لم يدلس).
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[18 - 11 - 02, 04:51 م]ـ
جزاك الله خير الجزاء، وبارك فيك على هذه الفوائد القيمة
ومما يضاف كذلك
جاء في فتح الباري 4/ 409
في هذه الطريق أخبرنا بن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن نافع فيه إدخال الواسطة بين بن جريج ونافع وابن جريح قد سمع الكثير ففيه دلالة على قلة تدليس بن جريج وروايته عن موسى من نوع رواية الأقران وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق0
وجاء في فتح الباري
5/ 52
وفي الحديث ما يدل على قلة تدليس بن جريج فإنه كثير الرواية عن نافع ومع ذلك أفصح بأن بينهما في هذا الحديث واسطة0
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[18 - 11 - 02, 06:25 م]ـ
ليس هناك قاعدة عامة
فقد يكثر التدليس عن راوٍ ويقل عن راوٍ
وقد يكثر التدليس أمام فئة معينة من الناس، وإذا طلب منه واحد أن لا يدلس فعل
وهناك من يدلس ليشق على طلابه
وهناك أمور كثيرة جداً تدفع الراوي للتدليس فلا يمكن وضع قاعدة عامة
والصواب أن ابن جريج عنعنته مردودة سواء عند ابن حجر أم عند غيره
بل شر التدليس تدليس ابن جريج فإنه لا يدلس إلا عن مجروح، ولذلك لم يدلس هنا. وقد وصفه سبط ابن العجمي بأنه مكثر من التدليس
وهناك من لا يدلس إلا عن ثقة وهو ابن عيينة ولذلك قبل الأئمة تدليسه بعكس ابن جريج وأضرابه
ـ[ابن معين]ــــــــ[18 - 11 - 02, 10:51 م]ـ
جزاك الله خيراً أخي الفاضل عبدالرحمن الفقيه على تعقيبك وعلى هذه النقول المفيدة.
أخي: محمد الأمين ..
يستدل الأئمة على قلة تدليس الراوي بعدة قرائن، وفي الأمثلة التي نقلتها عن ابن حجر نستطيع أن نستبط قرينتين:
الأولى: أن يروي الراوي عن شيخ له قد أكثر من السماع منه، ثم هو يروي عنه أحياناً بواسطة.
الثانية: أن يروي الراوي عن شيخ له من أقرانه، ثم هو يروي عنه بالواسطة.
فهاتين القرينتين لاشك أنهما تدلان على قلة تدليس الراوي، إذ لو كان مكثراً من التدليس لما بين الواسطة التي بينه وبين شيخه اعتماداً على أنه قد أكثر من السماع والرواية عن شيخه، أو _ كما في القرينة الثانية _ اعتماداً على أنه يروي عن قرين له فالغالب أنه قد سمع منه.
والمقصود من هذا الموضوع هو معرفة القرائن التي يستدل بها الأئمة على قلة تدليس الراوي، وليس المقام هنا هو تحرير الرواة الذين وصفوا بقلة التدليس، فتنبه لهذا.
على أن وصف ابن جريج بالتدليس الشديد لا يمنع منه أن يكون مقلاً من التدليس عن بعض الرواة كما بينته الأدلة السابقة.
ثم قولك (ليس هناك قاعدة عامة) يفهم منه أنه لا يمكن أن نعرف هل هذا الراوي مقل من التدليس أو لا؟!
وإلا فهلا بينت لي _ حفظك الله _ كيف نعرف قلة تدليس الراوي؟
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[18 - 11 - 02, 11:31 م]ـ
أخي الفاضل ابن معين
كلامك صحيح إن كان عاماً، لكنه لا ينطبق على ابن جريج. فابن جريج لم يدلس عن هؤلاء لأنهم ثقات. وهو لا يدلّس إلا عن ضعفاء، كما قال الدارقطني.
إذاً يجب النظر -قبل كل شيء- إلى السبب الذي يدفع الراوي للتدليس. فهذا الوليد بن مسلم يدلس تسوية عن شيوخ الأوزاعي الضعفاء لأنه لا يريد أن يقال أن الأوزاعي يروي عن ضعفاء. ولا ريب أن هذه قلة أمانة لكن الكثير من الرواة يفعلونها مثل الأعمش وبقية. فإذا وجدت الأعمش لا يدلس مثلا عن إبراهيم، فلا يصح تعميم ذلك والقول أنه لا يدلس أبداً.
كما أن هناك من إذا دلّس مرة، بين الواسطة مرة أخرى، مثل ابن عيينة. وهناك من لا تكاد تعرف أنه مدلس لأنه حاذق في التدليس. فإذا أخفى الواسطة فإنك لا تعلمها إلا إذا سألته عمن سمعت هذا الحديث. ومثال ذلك أبي الزبير المكي. وهناك من لم يسأله أحد لكن وجد العلماء نكارة في حديثه إذا عنعن فحملوه على التدليس أو أنهم يكتبون حديث الضعفاء والمتروكين (كما كان يفعل ذلك ابن معين) فإذا وجده عند رجل آخر عرف أنه أخذه من المتروك.
وأما معرفة إن كانت عنعنة المدلس مقبولة أم لا، فإن كان هناك نص من المتقدمين قبلناه، وإلا فالأمر صعب. وأنت كما ترى بعض المدلسين اختلفوا فيهم في الطبقتين الثانية والثالثة. ومن المفيد أيضاً النظر إلى تصرف البخاري ومسلم في صحيحيهما. فأجد مثلاً إذا البخاري سرد سنداً قد عنعن فيه قتادة، فإنه قد يذكر بعده سنداً آخر يروي فيه شعبة عن قتادة عن شيخه، ثم يقول البخاري وبه. أي أنه سرد ذلك الإسناد لمجرد تبيين أن قتادة لم يدلس في هذا الحديث. وهو مما نستدل به على أن عنعنة قتادة ليست كلها مقبولة.
والله أعلم.
¥