ـ[حارث همام]ــــــــ[10 - 11 - 02, 11:37 ص]ـ
الأخ الكريم ذكر شيخ الإسلام في هذا السياق بعد أن قرر الإيمان عبارة محكمة واضحة فقال: (بِخِلاَفِ الإِسْلاَمِ؛ فَإِنَّ أَصْلَهُ الظَّاهِرُ، وَكَمَالَهُ القَلْبُ).
وهذا موضوع الشيخ في هذا الفصل وهو تقرير معنى الإسلام ومعنى الإيمان وقد بدأه بقول (فصل: لفظ الإسلام يستعمل على وجهين .. ) ثم فصل في معناه ثم جاء للإيمان وأكد أن الانقياد من معناه.
وقد علم أن الإيمان -عند جماعة من أهل السنة- إذا قرن بالإسلام فسر بالأعمال الباطنة.
هذا من جهة ومن جهة أخرى إذا تأملنا كلام الإمام نجد أنه
قرر أن هذا الإيمان له أصل لايتم إلاّ به وهو إقرار القلب وفرع -لأنه مبني على الأصل والفرع مابني على غيره- واجب وهو العمل.
ولهذا نص قبلها بقليل فقال: (ثم هو -يعني الإيمان- في الكتاب بمعنيين أصل وفرع واجب، فالأصل الذي في القلب وراء العمل).
وعند شيخ الإسلام -كما قرر في غير هذا الموضع- أن هذا الفرع الواجب إذا انتفى بالكلية انتفى ما وراءه وهو عمل القلب فهو لازم له. [انظر كلامه 7/ 146 - 7/ 150]. بخلاف ما لو انتفى بعضه
وبعد ذلك نقول ماهو الإشكال في العبارة التي ذكرت؟
أما المستحب أو الأكمل الذي ينقص علو الدرجة فلا إشكال فيه فهناك أعمال وأقوال هي من هذا القبيل وهذا لاخلاف فيه.
وأما كون الاعتقاد والقول ركن فلا إشكال فيه (وقد دلت نصوص الشيخ الأخرى على أن جنس العمل تركه كفر).
ثم ذكر أن ترك الواجبات وفعل المحرمات يذهب الكمال ويستحق صاحبه العقاب، وهذا مفهوم من قوله (وَمِنْ (وَاجِبٍ) يَنْقُصُ بِفَوَاتِهِ نَقْصًا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ الْعُقُوبَةَ).
وفي هذه العبارة: هل يعني الشيخ بقوله (وهو ترك الواجبات وفعل المحرمات) كل الواجبات وكل المحرمات، أم يعني مطلق الواجبات ومطلق المحرمات؟
إذا قلنا مطلق الواجبات ومطلق المحرمات فلا إشكال ويكون معنى العبارة ظاهراً فليس الموضوع ترك جنس العمل، ولكن المقصود فعل بعض المعاصي التي هي دون الكفر (وإلاّ فقد علم أن شيخ الإسلام يكفر شاتم الرسول وممتهن المصحف ... وغيرهم بنفس الفعل) وكذلك ترك بعض الواجبات التي لا يعد تركها كفراً -ومثل التي يعد تركها كفراً عنده الصلاة على الصحيح-
أما إذا قلنا بأن المعنى هنا ترك عموم الواجبات وفعل عموم المحرمات (وهو محل الإشكال) فهذا مذهب باطل ننقضه من كلام شيخ الإسلام نفسه مما يدل على أن هذا غير مراد له، بل أنا أعتبر قوله في الفتاوى (7/ 611) نص على هذا وهو قوله (ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا فى قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم من رمضان ولا يؤدي لله زكاة ولا يحج الى بيته فهذا ممتنع ولا يصدر هذا إلا مع نفاق فى القلب وزندقة لا مع إيمان صحيح).
إذاً فلم يبق إلاّ أنه أراد مطلق العمل كما قرر ذلك في غير موضع ومن ذلك قوله في الفتاوى 18/ 269 - 270 (ولكن مع هذا اتفقت الأئمة على أن من ترك واجباً في الحج ليس بركن ولم يجبره بالدم الذى عليه لم يبطل حجة ولا تجب إعادته فهكذا يقول جمهور السلف وأهل الحديث أن من ترك واجبا من واجبات الإيمان الذى لا يناقض أصول الإيمان فعليه أن يجبر إيمانه إما بالتوبة وإما بالحسنات المكفرة)
غير أنه قيد هذا المطلق بقيدين:
الأول: ألا يعود على أصل بنقض (وهذا يعرف بالدليل الخاص).
والثاني: أن لايكون ركناً فمن الواجبات بمعناها العام ماهي أركان -صورة خاصة من الواجب- وهذه في الإيمان تعرف كذلك بالنص الذي يفيد أن تركها كفر مخرج عن الملة.
وبعد هذا فالذي يظهر لي أن العبارة لا يصح الاستدلال بها على أن ترك جنس العمل ليس كفراً. وليس فيها نص من شيخ الإسلام على ذلك ولا يوجد موضع شاهد على ذلك من كلامه صحيح، بل غاية مايمكن أن يقال فيها وتحتمله أن الكلام عن مطلق العمل بغير قيود.
وهذا في كلام شيخ الإسلام كثير.