صيغة الوجوب ظاهرة في قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة في الصحيحين ( ...... فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر ...... )
الفعل المضارع المقرون بلام الأمر من صيغ الأ مر التي تدل في الأصل على الوجوب.
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[14 - 11 - 02, 10:19 ص]ـ
للفائدة:
الاستنشاق إذا بالغ فيه المتوضئ وجذب الماء بنَفَسه إلى الخيشوم، فإنه لا يخرج بدون استنثار، ولا تخرج الفضلات الضارة التي شرع الاستنثار للتخلص منها، وهذا يدل على أن خروج الماء بنفسه لا يكفي بديلا عن الاستنثار
وأما مذاهب الفقهاء في الاستنثار
فقد حكى أبو زرعة العراقي الاتفاق على عدم وجوب الاستنثار فقال:
اسْتَدَلَّ بِهِ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِنْشَاقِ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ , وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَإِسْحَاقَ أَيْضًا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْهُمَا وَجُمْلَةُ الْجُمْهُورِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ عَلَى النَّدْبِ {لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ: تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ}. وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ الِاسْتِنْشَاقِ وَأَيْضًا , فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِانْتِثَارِ مَعَ كَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ مَعَ عَطْفِهِ عَلَى أَمْرِهِ بِالِاسْتِنْشَاقِ وَلِأَنَّهُ أَمَرَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بِالتَّثْلِيثِ فِيهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ اتِّفَاقًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْأَمْرِ لِلنَّدَبِ وَأَجَابَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ بِالِاسْتِنْثَارِ أَمْرًا بِالْوُضُوءِ كَمَا قَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي غَيْرِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا انْتَهَى.
بينما قال الصنعاني في سبل السلام:
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِنْثَارِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ مُطْلَقًا , إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ {إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ} الْحَدِيثَ , فَيُقَيَّدُ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ بِهِ هُنَا بِإِرَادَةِ الْوُضُوءِ , وَيُقَيَّدُ النَّوْمُ بِمَنَامِ اللَّيْلِ كَمَا يُفِيدُهُ لَفْظُ يَبِيتُ , إذْ الْبَيْتُوتَةُ فِيهِ , قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ خُرِّجَ عَلَى الْغَالِبِ , فَلَا فَرْقَ بَيْنَ نَوْمِ اللَّيْلِ وَنَوْمِ النَّهَارِ. وَالْحَدِيثُ مِنْ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الِاسْتِنْثَارِ دُونَ الْمَضْمَضَةِ , وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يَجِبُ , بَلْ الْأَمْرُ لِلنَّدَبِ. انتهى
قلت: فيما نسبه الصنعاني إلى أحمد من وجوب الاستنثار نظر إذ المعروف عنه وجوب الاستنشاق والمضمضة في كل وضوء سواء بعد نوم أم لا، ولم أقف على تصريح بوجوب الاستنثار إلا إذا استعمل بمعنى الاستنشاق، قال ابن قدامة في المغني:
وَالِاسْتِنْشَاقُ: اجْتِذَابُ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ إلَى بَاطِنِ الْأَنْفِ. وَالِاسْتِنْثَارُ: إخْرَاجُ الْمَاءِ مِنْ أَنْفِهِ. وَلَكِنْ يُعَبَّرُ بِالِاسْتِنْثَارِ عَنْ الِاسْتِنْشَاقِ ; لِكَوْنِهِ مِنْ لَوَازِمِهِ.انتهى
وظاهر كلام ابن حزم في المحلى وجوب الاستنثار حيث قال:
كتب إلي سالم بن أحمد بن فتح قال: ثنا عبد الله بن سعيد الشنتجالي قال: ثنا عمر بن محمد بن داود السجستاني ثنا محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد حدثنا مسلم بن الحجاج حدثني بشر بن الحكم ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خيشومه}. حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي ثنا محمد بن زنبور المكي ثنا عبد العزيز بن أبي حازم ثنا يزيد بن الهاد أن محمد بن إبراهيم حدثه عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنشق ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خيشومه}. قال أبو محمد: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفرض. قال الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} ومن توضأ بغير أن يفعل ما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعله فلم يتوضأ الوضوء الذي أمره الله تعالى به , ومن لم يتوضأ كذلك فلا صلاة له , لا سيما طرد الشيطان عن خيشوم المرء , فما نعلم مسلما يستسهل الأنس بكون الشيطان هناك.انتهى