تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لمن يدعي الإيمان أن يحمله بغضه لطائفة منتسبة إلى الرسول تصيب وتخطىء على أن لا يعدلوا عليهم. بل يجرد لهم العداوة وأنواع الأذى ولعله لا يدري أنهم أولى بالله ورسوله، وما جاء به منه علماً وعملاً. ودعوة إلى الله على بصيرة، وصبراً من قومهم على الأذى في الله، وإقامة لحجة الله ومعذرة لمن خالفهم بالجهل لا كمن نصب معالمه صادرة عن آراء الرجال، فدعا إليها وعاقب عليها وعادى من خالفها بالعصبية وحمية لجاهلية، والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به _وليكن هذا تمام الكلام في هذا السؤال فقد تعدينا به طوره وإن لم نقدره قدره.

فصل: التسليم بلفظ (النكرة أو المعرفة)

وأما السؤال الثالث عشر: وهو ما السر في كونه سلم عليهم بلفظ النكرة، وشرع لعباده أن يسلموا على رسوله بلفظ المعرفة؟ وكذلك تسليمهم على نفوسهم وعلى عباده الصالحين فقد تقدم بيان الحكمة في كون السلام ابتداء بلفظ النكرة,

ونزيد هنا فائدة أخرى: وهي أنه قد تقدم أن في دخول اللام في السلام أربعة فوائد، وهذا المقام مستغن عنها، لأن المتكلم بالسلام هو الله تعالى، فلم يقصد تبركاً بذكر الاسم كما يقصده العبد فإن التبرك استدعاء البركة واستجلابها. والعبد هو الذي يقصد ذلك، ولا قصد أيضاً تعرضاً وطلباً على ما يقصده العبد، ولا قصد العموم. وهو أيضاً غير لائق هنا، لأن سلاماً منه سبحانه كاف من كل سلام، ومغن عن كل تحية ومقرب من كل أمنية. فأدنى سلام منه ولا أدنى هناك يستغرق الوصف ويتم النعمة ويدفع البؤس ويطيب الحياة ويقطع مواد العطب والهلاك، فلم يكن لذكر الألف واللام هناك معنى.

وتأمل قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: 72] كيف جاء بالرضوان مبتدأ منكراً مخبراً عنه بأنه أكبر من كل وعدوا به، فأيسر شيء من رضوانه أكبر الجنات، وما فيها من المساكن الطيبة وما حوته، ولهذا لما يتجلى لأوليائه في جنات عدن ويمنيهم أي شيء يريدون. فيقولون: ربنا وأي شيء نريد أفضل مما أعطيتنا. فيقول تبارك وتعالى: إن لكم عندي أفضل من ذلك أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً.

وقد بان بهذا الفرق بين سلام الله على رسله وعباده، وبين سلام العباد عليهم، فإن سلام العباد لما كان متضمناً لفوائد الألف واللام التي تقدمت من قصد التبرك باسمه السلام والإشارة إلى طلب السلام له وسؤالها من الله باسم السلام، وقصد عموم السلام كان الأحسن في حق المسلم على الرسول. أن يقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، وإن كان قد ورد سلام عليك، فالمعرفة أكثر وأصح وأتم معنى. فلا ينبغي العدول عنه ويشح في هذا المقام بالألف واللام ... والله أعلم.

فصل: تسليم الله وتسليم المسيح

وقد عرفت بهذا جواب السؤال الرابع عشر: وهو ما الحكمة في تسليم الله تعالى على يحيى بلفظ النكرة، وتسليم المسيح على نفسه بلفظ المعرفة لا ما يقوله من لا تحصيل له؟ أن سلام يحيى جرى مجرى ابتداء السلام في الرسالة والمكاتبة فنكر وسلام المسيح جرى مجرى السلام في آخر المكاتبة فعرف. فإن السورة كالقصة الواحدة ولا يخفى فساد هذا الفرق فإنهما سلامان متغايران من مسلمين:

أحدهما: سلام الله تعالى على عباده. والثاني سلام العبد على نفسه. فكيف يبنى أحدهما على الآخر؟

وكذلك قول من قال: إن الثاني عرف لتقدم ذكره في اللفظ فكانت الألف واللام فيه للعهد وهذا أقرب من الأول لإمكان أن يكون المسيح أشار إلى السلام الذي سلمه الله على يحيى، فأراد أن لي من السلام في مثل هذه المواطن الثلاثة مثل ما حصل له .... والله أعلم.

فصل: تقييد السلام في قصتي يحيى والمسيح

وأما السؤال الخامس عشر: وهو ما الحكمة في تقييد السلام في قصتي يحيى والمسيح صلوات الله عليهما بهذه الأوقات الثلاثة؟

فسره -والله أعلم- أن طلب السلامة يتأكد في المواضع التي هي مظان العطب ومواطن الوحشة. وكلما كان الموضع مظنة ذلك تأكد طلب السلامة، وتعلقت بها الهمة، فذكرت هذه المواطن الثلاثة، لأن السلامة فيها آكد وطلبها أهم والنفس عليها أحرص:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير