وقال ابن جرير:" وقوله: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ) يقول: فمن التمس لفرجه مَنكَحًا سوى زوجته، وملك يمينه، (فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) يقول: فهم العادون حدود الله، المجاوزون ما أحل الله لهم إلى ما حَرّم عليهم"
قال ابن كثير:" أي: والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام، فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا أو لواط، ولا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم، وما ملكت أيمانهم من السراري، ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج"
وقال ايضا:" وحفظُ الفَرج تارةً يكون بمنعه من الزنى، كما قال {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المعارج:29، 30] وتارة يكون بحفظه من النظر إليه، كما جاء في الحديث في مسند أحمد والسنن"
ولو سألتني مما أخذت منع الرجل من أن يستمني إذا لم تحتج بهذه الآية؟ قلت مما أرشد إليه الرسول في قوله يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فأرشدهم إلى الصوم ولم يرشدهم إلى قضاء حاجتهم بتلك الطريقة فدل ذلك على عدم جوازها، ولئن جاز الاحتجاج بهذه الآية على عدم جواز استمناء الرجل بيده فلا يظهر أن يستدل بها على جواز الاستمناء بيد امرأته
5 - ونقول هل لو طلب الزوج من زوجته هذا الفعل فأبت وامتنعت واستقذرت هذا الفعل هل تكون عاصية بذلك لرفضها القيام به؟
6 - وقد تكاثر كلام أهل الطب على ضرر هذه الفعلة من وجوه متعددة وهذه يستوي فيها أن تكون بيده أو بيد زوجته
7 - ولوكانت هذه الفعلة جائزة لمنعت منها المروءة قال القرطبي:" ولو قام الدليل على جوازها لكان ذو المروءة يعرض عنها لدناءتها" وحديثه هنا على من يستمنى بيده ولكن على حسب ما افترضه من جوازها فلا فرق إذن بينها وبين مسألتنا وعليه يقال كما قال القرطبي ذو المروءة يعرض عنها لدناءتها
لكنك أخي الكريم بعد ما ذكرت "أن الأصل الذي لا أعلم فيه مخالفاً هو جواز استمتاع الرجل بامرأته بأي صورة وعلى أي صورة وكيف شاء ومتى أراد وأينما أراد ... ما لم يقم الدليل على تحريم موضع معين .... كالدبر ... أو زمان معين ... كوقت الحيض ... أو صورة معينة كالجمع بين الإهانة والضريب والجماع "
دعاني قولك هذا إلى البحث، وإليك ما وجدت في ذلك: ففي رد المحتار: " وَلَوْ مَكَّنَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ مِنْ الْعَبَثِ بِذَكَرِهِ فَأَنْزَلَ كُرِهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ" فهو وإن لم يكن حراما لكنه مكروه، وفي مواهب الجليل شرح مختصر خليل عندما شرح قوله في جواز المجامعة من تحت الإزار قال: " قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِمْنَاءُ بِيَدِهَا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِهِ أَبُو حَامِدٍ فِي الْإِحْيَاءِ.
(قُلْتُ)، وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ، وَعُمُومُ نُصُوصِهِمْ كَالصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ: وَالْحَائِضُ تَشُدُّ إزَارَهَا وَشَأْنُهُ بِأَعْلَاهَا، كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ وَالْمُوَطَّإِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَوْلُهُ: شَأْنَهُ بِأَعْلَاهَا، أَيْ: يُجَامِعُهَا فِي أَعْكَانِهَا وَبَطْنِهَا، أَوْ مَا شَاءَ مِنْهَا مِمَّا هُوَ أَعْلَاهَا، انْتَهَى، َقالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْوَطْءِ فِيمَا فَوْقَ الْإِزَارِ" انتهى بالعنى
قلت:قول الشارح ولا شك في جوازه واضح أنه في الجماع من تحت الإزار بدليل النقول التي ذكرها بعد ذلك
وفي إعانة الطالبين: " (وقوله: بنحو يدها) أي حليلته (قوله: كتمكينها) الإضافة من إضافة المصدر للمفعول بعد حذف الفاعل: أي كتمكين الزوج إياها من العبث واللعب بذكره فإنه يكره عليه ذلك (قوله: لأنه) أي ما ذكر من الاستمناء بيدها وتمكينها من العبث بذكره، وهو علة الكراهة، (وقوله: في معنى العزل) أي عزل المني عن الحليلة وهو مكروه"
وفي الفتاوى الهندية " الِاسْتِمْنَاءُ حَرَامٌ، وَفِيهِ التَّعْزِيرُ، وَلَوْ مَكَّنَ امْرَأَتَهُ، أَوْ أَمَتَهُ مِنْ الْعَبَثِ بِذَكَرِهِ، فَأَنْزَلَ، فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ"
وفي شرح مختصر خليل للخرشي:" اعْلَمْ أَنَّ اسْتِمْنَاءَ الشَّخْصِ بِيَدِهِ حَرَامٌ خَشِيَ الزِّنَا أَمْ لَا لَكِنْ إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ عَنْهُ الزِّنَا إلَّا بِهِ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ وَفِي اسْتِمْنَائِهِ بِيَدِ زَوْجَتِهِ خِلَافٌ وَالرَّاجِحُ الْجَوَازُ" فأثبت وجود الخلاف والظاهر من الكلام أنه خلاف في التحريم وإن كان رجح الجواز
وفي أسنى المطالب:" حَدَّ بِالِاسْتِمْنَاءِ) بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهَا (وَهُوَ حَرَامٌ) فَفِيهِ التَّعْزِيرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا (لَا بِيَدِ زَوْجَتِهِ) أَوْ أَمَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا فَلَيْسَ بِحَرَامٍ بَلْ صَرَّحَ كَأَصْلِهِ بِهِمَا مَعًا فِي الْبَابِ التَّاسِعِ مِنْ أَبْوَابِ النِّكَاحِ (لَكِنْ يُكْرَهُ)؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعَزْلِ مِنْ الزَّوْجَةِ"
ولا شك أن هناك الكثيرين ممن قال بجواز ذلك ولم ننقله لأن المراد هو بيان من خالف في ذلك، وأن هناك من أهل العلم من قال بالكراهة.
وأخيرا أشكر لكم أخي الشيخ أبي فهر السلفي تعقيبكم واهتمامكم بالبيان والنصح والذي كان مدعاة لي لمزيد من البحث في هذا الموضوع وتقبل تحيات أخوكم محمد بن شاكر الشريف
¥