أَيْ طِينٍ وَزَلَقٍ: لَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ , قُلْ: الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ , وَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ فَقَالَ: فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي , يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ الْجُمُعَةَ عَزِيمَةٌ , وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ تَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ , وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ مَطَرٍ.
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تَقْدَحُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْمَطَرَ كَانَ مَوْجُودًا , فَلَمْ يُعَلِّلْ سُقُوطَ الْجُمُعَةِ إلَّا بِالطِّينِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ الضَّابِطِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ , وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الصُّوَرُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهَا مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صَلَاة الْجَمَاعَةِ , وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ عِبَارَةَ الْأَصْحَابِ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَخْصَرَ وَأَعَمَّ.
أَمَّا التَّمْرِيضُ فَقَالَ: إنْ كَانَ لِلْمَرِيضِ مُتَعَهِّدٌ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِ وَحَاجَتِهِ نُظِرَ إنْ كَانَ ذَا قَرَابَةٍ زَوْجَةً أَوْ مَمْلُوكًا أَوْ صِهْرًا أَوْ صَدِيقًا وَنَحْوَهُمْ - فَإِنْ كَانَ مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ أَوْ غَيْرَ مُشْرِفٍ لَكِنْ يَسْتَأْنِسُ بِهَذَا الشَّخْصِ - حَضَرَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْرِفًا وَلَا يَسْتَأْنِسُ بِهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ , وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ: أَنَّهَا تَسْقُطُ ; لِأَنَّ الْقَلْبَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ , وَلَا يَتَقَاصَرُ عَنْ عُذْرِ الْمَطَرِ , وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا لَيْسَ لَهُ حَقٌّ بِوَجْهٍ مِنْ الْأُمُورِ السَّابِقَةِ لَمْ تَسْقُطْ الْجُمُعَةُ عَنْ الْمُتَخَلِّفِ عِنْدَهُ بِلَا خِلَافٍ , هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لَهُ مُتَعَهِّدٌ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَهِّدٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ: إنْ خَافَ هَلَاكَهُ إنْ غَابَ عَنْهُ فَهُوَ عُذْرٌ يُسْقِطُ الْجُمُعَةَ , سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا , قَالُوا: لِأَنَّ إنْقَاذَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْهَلَاكِ فَرْضُ كِفَايَةٍ.
وَإِنْ كَانَ يَلْحَقُهُ بِغَيْبَتِهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ لَا يَبْلُغُ دَفْعُهُ مَبْلَغَ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا): أَنَّهُ عُذْرٌ أَيْضًا (وَالثَّانِي): لَا (وَالثَّالِثُ): [ص: 357] عُذْرٌ فِي الْقَرِيبِ وَنَحْوِهِ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ ; وَلَوْ كَانَ لَهُ مُتَعَهِّدٌ لَا يَتَفَرَّغُ لِخِدْمَتِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِشِرَاءِ الْأَدْوِيَةِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ كَمَنْ لَا مُتَعَهِّدَ لَهُ لِفَوَاتِ مَقْصُودِ الْمُتَعَهِّدِ.
الحاشية رقم: 1
(الشرح) حديث ابن عباس صحيح رواه أبو داود , وسبق بيانه في باب صلاة الجماعة , وحديث الاستصراخ على سعيد بن زيد رواه البخاري في صحيحه في الباب الثاني في فضل من شهد بدرا.
وقوله " فإنه ابن عمه " يعني مجازا فإنه سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل , وابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل.
وقوله (استصرخ) هو من الصراخ وهو الصوت , يقال صرخ يصرخ بضم الراء في المضارع وقوله " ذو ود " هو بضم الواو , أي صديق.
وقوله (يخاف ضياعه) بفتح الضاد.
[ص: 356] أما الأحكام) فقال أصحابنا: كل عذر سقطت به الجماعة في غير الجمعة سقطت به الجمعة إلا الريح في الليل لعدم تصوره , وفي الوحل ثلاثة أوجه عند الخراسانيين (الصحيح) عنهم , وبه قطع العراقيون وجماعات من الخراسانيين أنه عذر في الجمعة والجماعة (والثاني): ليس بعذر فيهما (والثالث): هو عذر في الجماعة دون الجمعة حكاه الرافعي عن حكاية أبي المكارم صاحب العدة , قال: وبه أفتى أئمة طبرستان , وهذا غريب ضعيف , وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم جمعة , يوم ردغ أي طين وزلق: لا تقل حي على الصلاة , قل: الصلاة في الرحال , وكأنهم أنكروا ذلك فقال: فعل هذا من هو خير مني , يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الجمعة عزيمة , وإني كرهت أن أخرجكم تمشون في الطين والدحض , وفي رواية قال ذلك في يوم مطر.
وهذه الرواية لا تقدح في الاحتجاج به ; لأنه ليس فيه أن المطر كان موجودا , فلم يعلل سقوط الجمعة إلا بالطين , والله أعلم.
فهذا الذي ذكرته من الضابط هو الذي ذكره الأصحاب , ويدخل في هذا الصور التي ذكرها المصنف وغيرها مما سبق بيانه في باب صلاة الجماعة , ولو قال المصنف عبارة الأصحاب لكان أحسن وأخصر وأعم.
أما التمريض فقال: إن كان للمريض متعهد يقوم بمصالحه وحاجته نظر إن كان ذا قرابة زوجة أو مملوكا أو صهرا أو صديقا ونحوهم - فإن كان مشرفا على الموت أو غير مشرف لكن يستأنس بهذا الشخص - حضره وسقطت عنه الجمعة بلا خلاف , وإن لم يكن مشرفا ولا يستأنس به لم تسقط عنه على المذهب , وفيه وجه حكاه الشيخ أبو حامد في تعليقه عن أبي علي بن أبي هريرة وحكاه أيضا الرافعي: أنها تسقط ; لأن القلب متعلق به , ولا يتقاصر عن عذر المطر , وإن كان أجنبيا ليس له حق بوجه من الأمور السابقة لم تسقط الجمعة عن المتخلف عنده بلا خلاف , هذا كله إذا كان له متعهد , فإن لم يكن متعهد قال إمام الحرمين وغيره: إن خاف هلاكه إن غاب عنه فهو عذر يسقط الجمعة , سواء كان قريبا أو أجنبيا , قالوا: لأن إنقاذ المسلم من الهلاك فرض كفاية.
وإن كان يلحقه بغيبته ضرر ظاهر لا يبلغ دفعه مبلغ فروض الكفاية ففيه ثلاثة أوجه (أصحها): أنه عذر أيضا (والثاني): لا (والثالث): [ص: 357] عذر في القريب ونحوه دون الأجنبي ; ولو كان له متعهد لا يتفرغ لخدمته لاشتغاله بشراء الأدوية ونحوه فهو كمن لا متعهد له لفوات مقصود المتعهد.
¥