ذكر أهل العلم أن الدنيا ترد دائما في سياق الذم لها أو التحذير منها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ولذلك فإنها لا تفسر حينئذ بحياة الإنسان أو مكانها أو زمانها، لأن ذلك لا يذم بإطلاق، وإنما تُفَسَّر بـ: (كل ما يشغل عن طاعة الله ويصد عن سبيله مما يكون قبل الآخرة) وأما ما أعان على طاعة الله فممدوح، وما لم يشغل عن الطاعة فغير مذموم.
وعلى هذا فيكون للحديث _ إن صح _ تفسيران:
الأول:
أن الاستثناء متصل، فكل ما في الدنيا ملعون إلا ذكر الله بمعنى عموم الطاعات وما والاه أي ما يعين على الطاعات وهو المباحات التي لا تشغل عن الواجبات وعالما ومتعلما
الثاني:
أن كل ما يشغل عن طاعة الله الواجبة ويصد عن سبيله مما يكون قبل الآخرة ملعون، ولكنَّ ذكر الله والعلم والعلماء والمتعلمين لا يدخلون في هذا اللعن، فالاستثناء هنا منقطع، أي المستثنى ليس من جنس المستثنى منه فتكون (إلا) بمعنى (لكن) كقولك ذهبت الغنم إلا البعير، والله أعلم.
قال المباركفوري في شرح الترمذي:
قوله: (إن الدنيا ملعونة)
أي مبغوضة من الله لكونها مبعدة عن الله
(ملعون ما فيها)
أي مما يشغل عن الله
(إلا ذكر الله)
بالرفع. . .
(وما والاه)
أي أحبه الله من أعمال البر وأفعال القرب , أو معناه ما والى ذكر الله أي قاربه من ذكر خير أو تابعه من اتباع أمره ونهيه لأن ذكره يوجب ذلك. قال المظهر أي ما يحبه الله في الدنيا , والموالاة المحبة بين اثنين. وقد تكون من واحد وهو المراد هنا يعني ملعون ما في الدنيا إلا ذكر الله وما أحبه الله مما يجري في الدنيا وما سواه ملعون. وقال الأشرف: هو من الموالاة وهي المتابعة ويجوز أن يراد بما يوالي ذكر الله تعالى طاعته , واتباع أمره واجتناب نهيه
(وعالم أو متعلم)
قال القاري في المرقاة: أو بمعنى الواو أو للتنويع فيكون الواوان بمعنى أو. وقال الأشرف: قوله وعالم أو متعلم في أكثر النسخ مرفوع واللغة العربية تقتضي أن يكون عطفا على ذكر الله فإنه منصوب مستثنى من الموجب. قال الطيبي رحمه الله هو في جامع الترمذي هكذا وما والاه. وعالم أو متعلم بالرفع , وكذا في جامع الأصول إلا أن بدل أو فيه الواو. وفي سنن ابن ماجه أو عالما أو متعلما بالنصب مع أو مكررا والنصب في القرائن الثلاث هو الظاهر والرفع فيها على التأويل. كأنه قيل الدنيا مذمومة لا يحمد ما فيها إلا ذكر الله وعالم أو متعلم انتهى ما في المرقاة. قال المناوي: قوله ملعونة أي متروكة مبعدة متروك ما فيها أو متروكة الأنبياء والأصفياء كما في خبر: لهم الدنيا ولنا الآخرة.
وقال: الدنيا ملعونة لأنها غرت النفوس بزهرتها ولذتها فأمالتها عن العبودية إلى الهوى وقال بعد ذكر قوله وعالما أو متعلما: أي هي وما فيها مبعد عن الله إلا العلم النافع الدال على الله فهو المقصود منها , فاللعن وقع على ما غر من الدنيا لا على نعيمها ولذتها , فإن ذلك تناوله الرسل والأنبياء انتهى.
انتهى
ـ[عبد المتين]ــــــــ[09 - 12 - 06, 03:42 م]ـ
أخي العزيز، إبن وهب، لفت إنتباهي توقيعكم: الحديث المرفوع: لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك.
الحديث في المسند، و أنقل لكم الإسناد، قال رحمه الله:
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا مهدي بن ميمونة ثنا أبو الوازع رجل من بنى راسب قال سمعت أبا برزة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم رسولا إلى حي من أحياء العرب في شيء لا يدرى مهدي ما هو قال فسبوه وضربوه فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال لو انك أتيت أهل عمان ما سبوك وما ضربوك.
و الإسناد فيه كلام لحال أبي الوازع: وأبو الوازع الراسبي اسمه جابر بن عمرو وهو بصري، صدوق يهم من التاسعة.
والله أعلم.
ـ[أبو يحيى التركي]ــــــــ[09 - 12 - 06, 04:10 م]ـ
الكريمان الفاضلان ابن وهب وعبد المتين شكر الله مروركما.
1 ــ بالنسبة لثبوت الحديث من عدمه فليس موضوعنا، وإنما الموضوع هو بيان معنى الحديث، ثم يا أخي عبد المتين أنت تطرقت لحديث أبي هريرة فقط من غير تطرق لغيره، وليس هذا سديدا، وقد أبنت في أول مشاركتي أنه لا يخلو طريق من طرق الحديث من مقال، ولكن بمجموعها يثبت الحديث، فإسناد الحديث لا بأس به إن شاء الله، وقد بين الأخ الكريم ابن وهب سدده الله شيئا من ذلك، لكن يبقى النظر في المتن هل ثم نكارة توجب رده، وهل ثم مخالفة لما ثبت بالكتاب والحديث الصحيح بل بالإجماع؟ لا مخالفة كما يتوهم بعضهم ولا نكارة والمعنى بينته بيانا واضحا فليرجع إليه.
2 ــ الأخ ابن وهب بارك الله في نقلك المفيد الرائع، ورفع قدرك.
3 ــ بالنسبة لحديث لو أنك أتيت أهل عمان ما سبوك وما ضربوك.
أرى طرحه هنا حيدة عن الموضوع الأصلي، فهو لا يمت له بصلة، فإما أن يفرد له موضوع خاص أو يتم التراسل عبر البريد الخاص بين المعنيين بذلك (مجرد رأي شخصي).
أكرر شكري للأخوين الفاضلين عبد المتين وابن وهب.
¥