تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو معاذ الجابري]ــــــــ[26 - 02 - 08, 04:04 م]ـ

بناء على لفتة موفقة من أخ فاضل أشار فيها إلى ضرورة بيان أقوال العلماء المشهود لهم بسلامة العقيدة السلفية فيما يخص توجيه " ... لا يمل الله حتى تملوا .. " (تلميحا إلى عدم الاقتصار على كلام أمثال الحافظ المعروف بأشعريته في الصفات -مع جلالة قدرة وسعة علمه-)، فإني بادرت بتلبية رغبته – شاكرا له- ووفقني الله لهذه النقولات، راجيا أن يكتب الله الأجر لي ولكل من يساهم في هذا الأمر، وإليكم التتمة:

وفي البداية ينبغي أن يُعلم أن العلماء قد اختلفت أقوالهم بخصوص هذا الحديث، وليس الخلاف مقصورا على المؤولين، بل إن العلماء المشهود لهم بسلامة المعتقد قد اختلفت أقوالهم في تلك العبارة، إلا أن جميع الأطراف اتفقوا على تنزيه الله عن كل عيب أو نقيصة وأنه لا يجوز أن ننسب لله إلا ما يليق بجلاله وعظمته-مما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم- امتثالا لقوله تعالى: (ليس كمثله شيء)، فالكل ينفي الملل المعيب الذي يتصف به البشر عن الله جل في علاه.

فهذا ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- يقول في فتح الباري:

(وقوله " إن الله لا يمل حتى تملوا ". وفي رواية: " لا يسأم حتى تسأموا ". الملل والسآمة للعمل يوجب قطعه وتركه، فإذا سأم العبد من العمل ومله قطعه وتركه فقطع الله عنه ثواب ذلك العمل؛ فإن العبد إنما يجازى بعمله، فمن ترك عمله انقطع عنه ثوابه وأجره إذا كان قطعه لغير عذر من مرض أو سفر أو هرم.

كما قال الحسن: إن دور الجنة تبنيها الملائكة بالذكر فإذا فتر العبد انقطع الملك عن البناء فتقول له الملائكة: ما شأنك يا فلان؟ فيقول: إن صاحبي فتر، قال الحسن: أمدوهم - رحمكم الله - بالنفقة.

وأيضا - فإن دوام العمل وإيصاله ربما حصل للعبد به في عمله الماضي ما لا يحصل له فيه عند قطعه؛ فإن الله يحب مواصلة العمل ومداومته، ويجزي على دوامه ما لا يجزي على المنقطع منه.

وقد صح هذا المعنى في الدعاء وأن العبد يستجاب له ما لم يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي، فيدع الدعاء، فدل هذا على أن العبد إذا أدام الدعاء وألح فيه أجيب وإن قطعه واستحسر منع إجابته، وسمي هذا المنع من الله مللا وسآمة مقابلة للعبد على ملله وسآمته، كما قال تعالى {نسوا الله فنسيهم} [التوبة: 67] فسمى إهمالهم وتركهم نسيانا مقابلة لنسيانهم له. هذا أظهر ماقيل في هذا. ويشهد له: أنه قد روي من حديث عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اكلفوا من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل ".

خرجه بقي بن مخلد؛ وفي إسناده: موسى بن عبيدة.

وقد قيل: إن " حتى " هاهنا بمعنى واو العطف؛ ولكن لا يصح دعوى كون " حتى " عاطفة؛ لأنها إنما تعطف المفردات لا الجمل، هذا هو المعروف عند النحويين، وخالف فيه بعضهم. وقيل: إن " حتى " فيه بمعنى " حين "، وهذا غير معروف. وزعم ابن قتيبة أن المعنى: " لا يمل إذا مللتم "، وزعم أن هذا الاستعمال معروف في كلام العرب، وقد يقال: إن " حتى " بمعنى لام التعليل، وأن المراد أن الله لا يمل لكي تملوا أنتم من العمل. وفيه بعد - أيضا.

ولو كان كذلك لقال: حتى لا تملوا، ويكون التعليل - حينئذ - بإعلامهم بأن الله لا يمل من العطاء، فيكون إخبارهم بذلك مقتضيا لمدوامتهم على العمل وعدم مللهم وسآمتهم.

و قد يقال: إنما يدل هذا الكلام عل نسبة الملل والسآمة إلى الله بطريق مفهوم الغاية. و من يقول: إنه لا مفهوم لها فإنه يمنع من دلالة الكلام على ذلك بالكلية. ومن يقول ذلك بالمفهوم فإنه يقول: متى دل الدليل على انتفائه لم يكن مرادا من الكلام. وقد دلت الأدلة عل انتفاء النقائص والعيوب عن الله تعالى، ومن جملة ذلك: لحوق السآمة والملل له.

ولكن بعض أصحابنا ذكر أن دلالة مفهوم الغاية كالمنطوق؛ بمعنى أنه لا يجوز أن يكون ما يعد الغاية موافقا لما قبلها بمفهوم الموافقة أو غيره. فعلى قوله يتعين في هذا الحديث أحد الأجوبة المتقدمة، والله سبحانه وتعالى أعلم.)

ويقول ابن عبد البر-رحمه الله- في التمهيد (1/ 192):

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير