تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

( ... وأما لفظه في قوله ان الله لا يمل حتى تملوا فلفظ مخرج على مثال لفظ ومعلوم أن الله عز و جل لا يمل سواء مل الناس أو لم يملوا ولا يدخله ملال في شيء من الاشياء جل وتعالى علوا كبيرا وانما جاء لفظ هذا الحديث على المعروف من لغة العرب بانهم كانوا اذا وضعوا لفظا بازاء لفظ وقبالته جوابا له وجزاء ذكروه بمثل لفظه وان كان مخالفا له في معناه الا ترى الى قوله عز و جل (وجزاء سيئة بسيئة مثلها) وقوله فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم والجزاء لا يكون سيئة والقصاص لا يكون اعتداء لأنه حق وجب ومثل ذلك قول الله تبارك وتعالى (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) وقوله (انما نحن مستهزؤن الله يستهزىء بهم) وقوله (انهم يكيدون كيدا واكيدا كيدا) وليس من الله عز و جل هزؤ ولا مكر ولا كيد انما هو جزاء لمكرهم واستهزائهم وجزاء كيدهم فذكر الجزاء بمثل لفظ الابتداء لما وضع بحذائه وكذلك قوله صلى الله عليه و سلم ان الله لا يمل حتى تملوا أي ان من مل من عمل يعمله قطع عنه جزاؤه فاخرج لفظ قطع الجزاء بلفظ الملال اذ كان بحذائه وجوابا له.)

وقال الإمام الطحاوي في مشكل الآثار (2/ 104):

(باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام من قوله فإن الله لا يمل حتى تملوا:

... فقال قائل وكيف يجوز لكم أن تقبلوا هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه إضافة الملل إلى الله تعالى في حال ما وذلك منتف عن الله وليس من صفاته فكان جوابنا له في ذلك أن الملل منتف عن الله تعالى كما ذكر وليس مما توهمه مما حمل عليه تأويل هذا الحديث كما توهم وإنما هو عند أهل العلم في اللغة على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمل الله إذا مللتم إذ كان الملل موهوما منكم وغير موهوم منه عز وجل وكان مثل ذلك الكلام الجاري على ألسن الناس عند وصفهم من يصفونه بالقوة على الكلام والبلاغة منه والبراعة به لا ينقطع فلان عن خصومة خصمه حتى ينقطع خصمه ليس يريدون بذلك أنه ينقطع بعد انقطاع خصمه لأنهم لو كانوا يريدون ذلك لم يثبتوا للذي وصفوه فضيلة إذ كان ينقطع بعقب انقطاع خصمه كما انقطع خصمه ولكنهم يريدون أنه لا ينقطع بعد انقطاع خصمه كما انقطع خصمه عنه وأنه يكون من القوة والاضطلاع بخصومته بعد انقطاع خصمه عنها كمثل ما كان عليه منها قبل انقطاع خصمه عنها فمثل ذلك والله أعلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمل الله حتى تملوا وإن الله لا يمل حتى تملوا أي إنكم قد تملون فتنقطعون والله بعد مللكم وانقطاعكم على الحال التي كان عليها قبل ذلك من انتفاء الملل والانقطاع عنه وبالله التوفيق.)

نقل البيهقي في "الأسماء والصفات- باب ما جاء في الملال "ومعلوم ما على الإمام البيهقي من كلام على موقفه من الصفات إلا أن ما يهمنا هنا هو نقله عن الإمام الخطابي حيث قال:

(قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمَلالُ لا يَجُوزُ عَلَى اللهِ سُبْحَانَهُ بِحَالٍ، وَلا يَدْخُلُ فِي صِفَاتِهِ بِوَجْهٍ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لا يَتْرُكُ الثَّوَابَ وَالْجَزَاءَ عَلَى الْعَمَلِ مَا لَمْ تَتْرُكُوهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَلَّ شَيْئًا تَرَكَهُ، فَكُنِّيَ عَنِ التَّرْكِ بِالْمَلالِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ التَّرْكِ وَقَدْ قِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّهُ لا يَمَلُّ إِذَا مَلَلْتُمْ، كَقَوْلِ الشَّنْفَرَى: صَلِيَتْ مِنِّي هُذَيْلٌ بِخْرَقٍ لا يَمَلُّ الشَّرَّ حَتَّى يَمَلُّوا أَيْ: لا يَمَلُّهُ إِذَا مَلُّوهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى إِذَا مَلُّوا مَلَّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مَزِيَّةٌ وَفَضْلٌ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَتَنَاهَى حَقُّهُ عَلَيْكُمْ فِي الطَّاعَةِ، حَتَّى يَتَنَاهَى جُهْدُكُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلا تَكَلَّفُوا مَا لا تُطِيقُونَهُ مِنَ الْعَمَلِ، كُنِّيَ بِالْمَلالِ عَنْهُ، لأَنَّ مِنْ تَنَاهَتْ قُوَّتُهُ فِي أَمَرٍ وَعَجَزَ عَنْ فِعْلِهِ مَلَّهُ وَتَرَكَهُ، وَأَرَادَتْ بِالدَّيْنِ الطَّاعَةَ)

وقال ابن مفلح الحنبلي (رحمه الله) في "الفروع" -باب أفضل صلاة الليل-:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير