تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الزجاج في قوله: {هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ}: نسبوهم إلى الحياكة، ولم يعلموا أن الصناعات لا أثر لها في الديانة. قال القرطبي: وكان هذا جهلاً منهم؛ لأنهم عابوا نبي الله صلى الله عليه وسلم بما لا عيب فيه، لأن الأنبياء عليهم السلام، إنما عليهم أن يأتوا بالبراهين والآيات، وليس عليهم تغيير الصور والهيئات، وهم يرسَلون إلى الناس جميعاً، فإذا أسلم منهم الدنيء لم يلحقهم من ذلك نقصان؛ لأن عليهم أن يقبلوا إسلام كل من أسلم منهم. [تفسير القرطبي - (ج 9 / ص 23)]. وخلاصة الكلام وقاعدته في هذا الأمر ما ورد في كلام السعدي في قوله: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا}، قال: "من المعلوم لكل أحد عاقل أن الحق يعرف أنه حق بنفسه لا بمن تبعه، وأن هذا القول الذي قالوه صدر عن كبر وتيه، والكبر أكبر مانع للعبد من معرفة الحق ومن اتباعه". ثم قال في موضع آخر: "والحق لا يعرف بقائله، ولكن يعرف بنفسه، ويجب قبوله دون النظر إلى قائله". ويقول: "فالحق يجب قبوله، سواء أقاله الفاضل أم المفضول، الحق أعلى من كل شيء". [تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام- (ج 1 / ص 336 - 337)].

وقال ابن كثير: "إن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني، وليس كُلّ من ادعى شيئًا حصل له بمجرد دعواه، ولا كل من قال: "إنه هو المُحق" سمع قوله بمجرد ذلك، حتى يكون له من الله برهان؛ ولهذا قال تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} [النساء: 123] أي: ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني، بل العبرة بطاعة الله، واتباع ما شرعه على ألسنة رسله الكرام. [تفسير ابن كثير - (ج 2 / ص 417)] وقال ابن تيمية في هذا المعنى أيضاً: "من المعلوم أن مجرد نفور النافرين أو محبة الموافقين: لا يدل على صحة قوله ولا فساده إلا إذا كان ذلك بهدى من الله بل الاستدلال بذلك هو استدلال باتباع الهوى بغير هدى من الله. [مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 1 / ص 324)].

• وآخرون يستدلون على الحق بالأسماء، وليس الأمر كذلك؛ لأن العبرة بالمسميات لا بالأسماء وبالأفعال لا بالأقوال، ولا تُقبَلُ الدعاوى إذا لم يُقِم عليها أصحابُها البينات، ولو أن كل من سمته أمه حسناً أو صالحاً أو محموداً كان كذلك على الحقيقة والفعل لكان تربية الإنسان وإصلاح المجتمعات من أيسر المهمات، ولكن الأسماء لا تغني شيئاً، وإن كان الشرع قد ندبنا إلى اختيار الأسماء الحسنة إلا أن الواقع والفعل يصدق ذلك أو يكذبه، وعليه مدار الأمر، وبه يكون الوزن الحق. وقد رد الله على الأعراب الذين قالوا آمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم؛ لأنهم سموا أنفسهم باسم لا يستحقونه، {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 14]، كما أبطل زعم اليهود بأنهم أبناء الله وأحباؤه وهم في حقيقة أمرهم أعداؤه، وجبههم بحقيقة أمرهم، كما بينت الآيات: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [المائدة: 18].

وعلى سنة يهود الذين ادعوا أنهم شعب الله المختار درج أكثرُ أهل البدع والأهواء الذين {َيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ} [آل عمران: 188]، اختبأوا وراء أسماء وألقاب من هذا القبيل، ونسبوا أنفسهم إلى الله، وسموا أنفسهم جند الله أو حزبه أو أهله وأولياءه وخاصته وأحبابه كما ادعت اليهود؛ ليخدعوا الناس بالأسماء، ويموهوا على باطنهم الخبيث، وباطلهم الذميم، وليفتنوا بها البُله الذين لا علم لهم، وما أكثرَهم!. هذا وقد خدع من قبل رجالٌ من علية القوم بالماسونية وبعض الحركات الهدامة الأخرى، وغرتهم شعاراتُها المزيفة، ولم يفطنوا لها إلا بعد حين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير