خامسًا: ينطبق على الرجل إذ اجتهد فأصاب: قولُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا حكم الحاكم، فاجتهد ثم أصاب، فله أجران)) [6].
2 - في قوله: ((أصبت السنة))، قال في "عون المعبود": "أصبت السنَّة؛ أي: الشريعة الواجبة، وصادفت الشريعة الثابتة بالسنة" [7].
فالسنة هنا تعني الشَّريعة الواجبة التي لا يعذر أحد بمُخالفتها إذا علمها؛ قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فمن رغب عن سنتي، فليس مني)) [8].
وهي غير السنة في المصطلح الفقهي التي تعني النَّافلة، فالاجتهادُ غايته مُوافقة هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته؛ قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وأحسن الهدي هدي محمد)) [9].
فلما قال للرجل: ((أصبت السنة))، علم أن اجتهاده بلغ أحسن الهدي.
4 - لما قال الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - للأول: ((أصبت السنة))، فَهِمَ الآخر وأدرك أنَّه باجتهاده في إعادة الصلاة قد أخطأ السنة؛ قال السندي: "أصبت السنة؛ أي: وافقت الحكم المشروع، وهذا تصويب لاجتهاده، وتخطئتة لاجتهاد الآخر" [10].
5 - كان يمكن أن يقتصر جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عبارة: "أصبت السنة"، فبذلك يتم المعني ويفهم، لا سيما أن البلاغة في الإيجاز، وأنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أوتي جوامع الكلم [11]، إلا أن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أراد أن يبيِّن سبب الإصابة، فقال: ((وأجزأتك صلاتك))؛ قال في "عون المعبود": " ((وأجزأتك صلاتك)) تفسير لما سبق؛ أي: كفتك عن القضاء، والإجزاء: عبارة عن كون الفعل مُسقطًا للإعادة" [12].
إذًا؛ فظنُّ الرجل أنَّ الصلاة التي أدَّاها بتيمم صحيحة، واطمئنانه بها، والتسليم لله فيما شرع، والارتياح له وعدم الحرج منه - جعله يَختار ألاَّ يعيدَ الصلاة، فكان ذلك جوهر الإصابة، ومكمن الصواب في اجتهاده، في حين أن إعادة الصلاة تعني أنَّ في النفس من الصلاة الأولى شيئًا.
قال في "عون المعبود": "فأعاد أحدهما، إما ظنًّا بأن الأولى باطلة، وإما احتياطًا" [13].
قلت: وفي كلا الحالين كان يفتقد للاطمئنان للصَّلاة التي أداها بتيمم، وهذا مكمن الخطأ في اجتهاده.
ملاحظة: يستفاد في هذا المقام أنَّ الاجتهادَ في مَعرفة الحكم الصحيح، ومِن ثَمَّ الاطمئنان له، ثم الاطمئنان به - خير من الاحتياط في الأحكام.
6 - لما تحدَّث رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - للآخر لم يقل: أمَّا أنت فأخطأت، ذلك أن الرجل فهم هذا من جواب الأوَّل كما ذكرنا آنفًا، ولو قالها، لكانت ثقيلة على النَّفس، وذلك مما يتنافى مع الخُلُق العظيم الذي وصفه به الله - عزَّ وجل -: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، ومع قوله - سبحانه وتعالى -: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، ولو أنَّه ترك الرجل ولم يقل له شيئًا لحزن؛ لذلك تجده تكلم إليه بما تطيب له النفس - وما تكلم إلا بحق - قال: ((لك الأجر مرَّتين))، فمن أسلوبه التربوي في مثل هذا الموقف أنْ ينبِّه إلى الجانب الخيِّر والإيجابي في المرء، فهو البشير - صلَّى الله عليه وسلَّم.
فمن ذلك:
أ - بعد قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضَّعيف)) [14]، قال: ((وفي كُلٍّ خير))، وفي ذلك مُواساة للمُؤمن الضَّعيف في أنَّ الخيرَ لم يقتصر على المؤمن القوي، بل في الضعيف أيضًا نصيب من الخير.
ب - كذلك بعد أن قال: ((الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة))، قال: ((والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران))، قال النَّووي: "وأمَّا الذي يتتعتع فيه، فهو الذي يتردد في تلاوته؛ لضعف حفظه، فله أجران، أجر بالقراءة وأجر بتعتعته في تلاوته ومشقته" [15].
قلت: إنَّ هذه التَّعتعة مَدعاة لضَعْف النَّشاط وفتور الهمة، فإذا علم صاحبها أنَّ له فيها أجرًا، كان ذلك باعثًا لنشاطه وحافزًا لهمته، إن شاء الله.
¥