تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ج - وما رواه أبو بكرة - رضي الله عنه -: أنَّه جاء والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - راكع، فسمع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - نعل أبي بكرة، وهو يحضر يريد أنْ يُدرك الركعة، فلما انصرف النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((من الساعي؟) قال أبو بكرة: أنا، قال: ((زادك الله حرصًا، ولا تَعُد)) [16].

فلم يقتصر الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - على قول: "لا تعد"، بل إنَّه نبَّه لأمر طيب في الرجل، وهو الحرص على إدراك الخير وفضيلة الجماعة مع الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فدعا له: ((زادك الله حرصًا) ثُمَّ قال: ((ولا تعد)).

د - وفي قوله لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذ وصفته النِّسوة بالفظاظة: ((إيهًا يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده، ما لقيكَ الشيطانُ سالكًا فجًّا قطُّ، إلا سلك فجًّا غير فجك)) [17].

إذًا؛ فقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما قاله - وهو حقٌّ - حتى لا يحزن عمر - رضي الله عنه - فكان هذا الخلق العظيم منه - صلَّى الله عليه وسلَّم - الرَّؤوف بالأُمَّة والرحيم.

أقول: من أجل ذلك قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - للآخر: ((لك الأجر مرتين)).

7 - ولماذا الأجر مرتين؟

بَدَهِيٌّ أن الأجر الأول هو أجرُ الصلاة التي أجزأته، فما الأجر الآخر؟ والجواب: قد علمت أن الرجلَ اجتهد فأخطأ، فإذا أقرَّ الاجتهاد، وعلم أنَّه اجتهاد خاطئ، علم أنَّ الأجر الآخر هو أجر الاجتهاد الخاطئ؛ لقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ، فله أجر)) [18].

في حين نال الأول أجْرَ العمل - الصلاة - وأَجْرَيِ الاجتهاد الصَّائب؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب، فله أجران))، فيكون بذلك قد نال ثلاثة أجور إن شاء الله.

ملاحظة: يفيد أن نذكر في هذا الموضع أمرين:

1 - ما عاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على الرَّجلين اختلافهما في الاجتهاد في المسألة، وهذا إنْ دلَّ على شيء يدل على حرية الفكر في الإسلام.

2 - نوال الأجر في كلٍّ من حالي الصواب والخطأ يدُلُّ على تشجيع الإسلام على الاجتهاد للوصول إلى الصواب.

((مرتين)): تعني مرَّة ثم مرة؛ أي: أخذ الأجر في وقت، ثُمَّ أخذ الأجر في وقت ثانٍ؛ مِمَّا يدل على أنه قام بعملين مُستقلين في وقتين مُختلفين نال بكل واحد منها أجرًا.

يستفاد مما سبق: أنَّ جزاء الاجتهاد الخاطئ يُساوي أجر العمل، أمَّا جزاء الاجتهاد الصائب، فيعادل ضعفي أجر العمل.

8 - ما الذي يمنع من اعتبار الأجر الآخر أجر إعادة الصلاة؟

والجواب:

أولاً: إنَّ هذا الاعتبار يناقض ما سبق ذكره من الأدلة ولا دليل.

ثانيًا: نهى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن إعادة الصلاة، فقال: ((لا تصلوا صلاة في يوم مرتين)) [19].

قال في "عون المعبود": "قال في الاستذكار: اتَّفق أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية على أن معنى قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تصلوا صلاة في يوم مرتين)): أنَّ ذلك أن يصليَ الرجل صلاةً مكتوبة عليه، ثم يقوم بعد الفراغ منها، فيعيدها على جهة الفرض أيضًا، وأمَّا مَن صلى الثانية مع الجماعة على أنَّها نافلة، فلا إعادة حينئذ، كذا في النيل" [20].

قلت: فالذي أعادها إنَّما أعادها على جهة الفرض، وهذا يتَّفق مع ما ورد في "عون المعبود": "فأعاد أحدهما، إما ظنًّا بأن الأولى باطلة، وإما احتياطًا" [21].

قلت: وهذه الإعادة على جهة الفرض هي ما نهى عنه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

ثالثًا: إذا اعتبرنا جدلاً أنَّ الأجر هو أجر الصَّلاة، وأنَّ الأجرَ الآخر هو أجر الإعادة، فأين ذهب أجر الاجتهاد؟ بل أجرَا الاجتهاد إن عُدَّ صائبًا؟

رابعًا: لم ينهَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن إعادةِ الصَّلاة المجزئة فحسب؛ بل عدَّ إعادتها ربًا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير