تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «و هذا الحديثُ أقلُّ أحوالِه أن يقتضيَ تحريمَ التَّشبهِ بهم، و إن كان ظاهرُه يقتضِي كفرَ المتشبِّه بهم، كما في قوله: ? وَ مَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ? [المائدة: 51]» اهـ[30].

6 ـ إضافةً إلى ما تقدَّم، ما يحدثُ ليلةَ الاحتفال من المعاصي و المنكراتِ من جانبِ أهلِ اللَّهو و المجونِ، و من البدعِ و الشركيَّاتِ من جانب أهل الزُّرَدِ و الصُّحُون.

كإنشادِ القصائدِ و المدائحِ النَّبويَّة، و قراءةِ المؤلَّفاتِ الموضُوعةِ في الموالدِ المشتمِلَة على الغُلوِّ و الإطرَاء الَّذي نهى عنه نبيُّنا ـ صلى الله عليه و سلم ـ بقولِه: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَم، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَ رَسُولُه» [31].

بل بلغَ بهم الحدُّ إلى الاستغاثةِ بالنَّبيِّ ـ صلى الله عليه و سلم ـ، و ادِّعاءِ معرفتِه للغيبِ، إلى غيرِ ذلك ممَّا اشتمَلت عليه قصائدُهم و مصنَّفاتُهم من البدعيَّات و الشِّركيَّات، و إلى الله المشتكى.

فهذه ـ أخي القارئ ـ بعضُ الحُجج القاطعةِ والبراهينِ السَّاطعةِ على سبيلِ الإيجازِ و الاختصارِ الَّتي تُدينُ أصحابَ الموالدِ بالقولِ ببدعيَّة احتفالهم بيوم المولدِ، و قد عرفتَ منشأَ هذه البدعةِ المنكرةِ، و أنَّها منْ وضْعِ الرَّوافضِ الَّذين أحدثوها مشابهةً لليهودِ ـ و لا عجبَ في ذلك؛ فإنَّ مؤسِّسَ دينِ الرَّافضة هو عبدُ الله بنُ سَبَأ اليَهوديّ ـ ثم أخذها عنهم الصُّوفيَّةُ الَّذين اتَّخذوها عبادةً، و اجتهد علماؤهُم في تأييدِها، و بيانِ مشروعيتها، و التماسِ الأدلةِ ـ بل الشُّبه ـ لها، و التَّأليفِ فيها؛ حتَّى صارت عندهُم و كأنَّها شريعةٌ منزَّلة من عندِ الله ربِّ العالمين، و شعيرةٌ شابَ عليها الصَّغيرُ و هَرُم عليها الكبيرُ، و لسانُ حالِهم ـ أو قالهِم ـ يقول كما قال الله ـ تعالى ـ: ? وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَ اللّهُ أَمَرَنَا بِهَا ? [الأعراف: 28].

و اعلمْ ـ وفَّقكَ الله لهداه ـ أنَّ محبَّةَ النَّبيِّ ـ صلى الله عليه و سلم ـ و توقيرِه و تعظيمِه تتمثَّلُ في طاعته، و امتثالِ أوامرِه و اجتنابِ نواهيه، و التَّسليمِ لأحكامِه، و اقتفاءِ أثرِه، و السَّيرِ على طريقتِه، و اتِّباعِ هديِه، و التَّأسِّي به ظاهرًا و باطنًا.

قال ـ تعالى ـ: ? قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ? [آل عمران: 31].

قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ: «هذه الآيةُ الكريمةُ حاكمةٌ على كُلِّ من ادَّعى محبَّةَ الله، و ليس هو على الطَّريقةِ المحمَّديَّةِ؛ فإنَّه كاذبٌ في دعواه في نفسِ الأمرِ، حتَّى يتبَّع الشَّرع المحمَّديَّ و الدِّينَ النَّبويَّ في جميعِ أقوالِه و أفعالِه و أحوالِه ... و قال الحسنُ البصريُّ و غيرُه من السَّلف: «زعَمَ قومٌ أنَّهم يحبُّون اللهَ فابتلاهم اللهُ بهذه الآيةِ فقال: ? قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ?» [32].

و قال العلاَّمة ابن قيِّم الجوزيّة: «فجعل سبحانه متابعةَ رسولِه سببًا لمحبَّتهم له، و كونُ العبدِ محبوبًا لله أعلى من كونِه مُحِبًّا لله؛ فليس الشَّأنُ أن تُحِبَّ اللهَ، و لكنَّ الشَّأن أنْ يُحِبَّك اللهُ، فالطَّاعةُ للمحبوب عنوانُ مَحَبَّتِه، كما قيل:

تَعصي الإِلَهَ وَ أَنتَ تَزعُم حُبَّهُ * هَذا مُحالٌ في القِياسِ بَديعُ

لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لَأَطَعتَهُ * إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ» [33].

فـ «الحبُّ الصَّحيحُ لمحمَّدٍ ـ صلى الله عليه و سلم ـ هو الَّذي يَدَعُ صاحبَه عن البدع، و يحملُه على الاقتداءِ الصَّحيحِ، كما كان السَّلف يحبُّونه، فيُحيُون سُنَنَه، و يَذُودون عن شريعتِه و دينِه، مِنْ غَير أن يُقيموا لهُ الموالدَ و ينفقُوا فيها الأموالَ الطَّائلةَ الَّتي تَفتَقِر المصالحُ العامَّةُ إلى القليلِ منها فلا تجدُه» [34].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير