ومهما يكن من أمرٍ؛ فإنَّ الَّذي أودُّ أن أُؤَكِّده أنَّ لسياسة التعليم في المملكة ولهذه المقرَّرات الثقافية تأثيرًا كبيرًا على تنشئة جيل الشباب وتربيته وتوجيهه، من خلال الصِّلة التي تتحقَّق بينهم وبين أساتذة هذه المقرَّرات في رحابِ الجامِعَةِ، وكذلك من خلال ما يُزَوّدونَهُم به من زاد الثقافة الإسلامية التي تَستَجِيبُ لِدواعي الفِطْرة فيهم.
إلا أنَّ هذا لا يعني أنَّ هذه المقرَّراتِ قد بَلَغَتِ الغايَةَ في تحقيق أهدافِها، وأنَّه ليس بالإمكان أكثر مما كان! نعم؛ لا أحد منَّا يدَّعي ذلك؛ بل نحن جميعًا متَّفقون على أنه يمكن تطوير هذه المقرَّرات وتحديثها، بحيث تُصْبِحُ أكْثَرَ فاعِلِيَّة في حياة الشباب، وتحقِّق نتائجَ أفضل مِمَّا تُعْطِيها اليوم؛ بل لعلَّ أكثرنا مقتنعٌ بأنَّ هذا الأمر قد أصبح اليوم ضرورةً ملحَّةً، وليس مجرَّد رغبة.
ولكنْ ما السَّبيل إلى ذلك؟ أو بعبارة أخرى: كيف يمكن تطوير هذه المقرَّرات بحيث تعطي نتائج أفضل؟ للإجابة على ذلك لابد أوَّلا من تحديد مكامن الخلل أو القصور، ثم الانتقال إلى ما يمكن أن يكون علاجًا لها.
مكمن الخلل أو القُصور:
إن عمل الإنسان مهما تميَّز بالكفاءة والنضج والدقَّة والعناية - فإنه يمكن أن يترقَّى أكثر؛ لأنَّ القُصور من سمات العمل الإنساني، كما أن التقدُّم والترقِّي في مراتب الكمال يعدُّ من أهم خصائصه.
ولذلك فإن ما سأعرضه هنا ليس من القصور بمعنى القصور؛ بل هو أشبه ما يكون بملاحظات ووجهات نظر، آمل أن يكون في طرحها وتبادل الرأي حولها ما يجعل هذه المقرَّرات أكثر فاعلية وأجدى نفعًا.
وهي ملاحظات متعدِّدةُ الجوانب؛ فمنها ما يرجع إلى توصيف المقرَّرات في الخطة الدراسية، ومنها ما يرجع إلى الكتاب المقرَّر، ومنها ما يرجع إلى مدرِّس المقرَّر، ومنها ما يرجع إلى الطالب، ومنها ما يرجع إلى أوضاع الجامعة وإمكاناتها، على النحو الذي سنفصِّل القولَ فيه فيما يأتي:
1 - توصيف المقرَّرات في الخُطط الدراسية:
إنَّ الموضوعات التي تتناولها هذه المقرَّرات الثقافية تستهدف تزويد الطالب بثقافة عامة شاملة لمختلِف الجوانب العَقَدية والأخلاقية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية في الإسلام، مضافةً إلى المدخل لهذه الثقافة، الذي يتناول خصائصها ومصادرها وركائزها، والتحديات التي تواجهها .. وهي موضوعات واسعة، وخصوصًا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المسائل المستجِدَّة، التي يعدُّ تعريف الطالب بها من ضرورات العصر؛ كقضايا (العولمة)، وحقوق الإنسان، وقضايا المرأة والأسرة والشباب، ومستجِدَّات المال والاستثمار، وظاهرة الغُلُوِّ والتطرُّف، وعلاقة المسلم بغير المسلم ... إلى غير ذلك من الموضوعات الكثيرة التي يَصْعُب - بل ربما يستحيل - حصرها.
فإذا انتقلنا إلى توصيف هذه المقرَّرات أمام هذا الكم الهائل من الموضوعات - أَثْقَلْنَا كاهلَها بها، حرصًا منَّا على تزويد الطالب بأكبر قدر ممكن منها، ولو من خلال العناوين أو الخطوط العريضة لها!.
إلاَّ أنا نصطدم فيما بعد بمسألة الوقت الذي يحكم المقرَّر؛ من حيث عدد ساعاته، وكذلك الوقت الذي يحكم أستاذ المقرَّر داخل قاعات التدريس، الأمر الذي يؤدِّي في كثير من الأحيان إلى بعثرة جهود الأستاذ بين ذاك الكمِّ الكبير من الموضوعات التي يحاول تغطيتها، وتشتيت أذهان الطلاب، والانشغال عن الكيفية بالكمية، ولا يخفى ما لذلك من آثار سلبيَّة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ فإنَّ بعض هذه الخِطَط الدراسية تبدو قديمة، أو أن مفرداتها لا تخلو من حشوٍ أو جمعٍ عشوائيٍّ؛ لأنها قد وضِعَت منذ دهر، أو أنها طُبِخَت على عجل؛ فأتت غير ناضجة، أو أن واضعيها لم يكونوا من المتخصِّصين في تلك الموضوعات الثقافية، ولم تكن لديهم الرؤيةُ الصحيحة والدقيقة لها، أو أنها لم تحظَ بالقدر الكافي من الجدِّية والاهتمام.
2 - الكتاب أو المرجع المقرَّر:
¥