تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن ابن أُبيّ لما انخزل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحُد انخزل معه ثلث الناس، قيل: كانوا ثلاثمائة، وهؤلاء لم يكونوا قبل ذلك كلهم منافقين في الباطن؛ إذ لم يكن لهم داع إلى النفاق.

وفي الجملة: ففي الأخبار عمّن نافق بعد إيمانه ما يطول ذكره» [9].

* عظم جريمة الردّة: إنّ أهم مقصد جاء الإسلام بتحقيقه في الناس هو تحقيق توحيد الله والإيمان به ونفي الشرك والكفر والتحذير منهما، وقد جاء أيضاً بحفظه في نفوس من اعتنقه؛ وذلك أن العالَم لا يستقيم بدونها، فضياعها مهلك للبشر، وإذا تأمل الإنسان حال البشريّة عند بعثة المصطفى - عليه الصلاة والسلام - فسيجد أنّه بُعِثَ على فترةٍ من الرسل في زمن تخبطت فيه البشريّة كما وُصفوا في الحديث القدسي: «إنّي خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنّهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم [10] عن دينهم، وحرَّمتْ عليهم ما أحللت لهم، وأمرتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلاّ بقايا من أهل الكتاب .. » [11].

وهؤلاء البقايا مات أكثرهم قبل مبعثه [12]، فصار الناس في جاهليّة جهلاء من مقالات مبدّلة أو منسوخة أو فاسدة قد اشتبهت عليهم الأمور مع كثرة الاختلاف والاضطراب.

«فهدى الله الناس ببركة نبوّة محمد - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به من البينات والهدى، هدايةً جلّت عن وصف الواصفين وفاقت معرفة العارفين، حتى حصل لأمته المؤمنين عموماً ولأولي العلم منهم خصوصاً، من العلم النافع والعمل الصالح، والأخلاق العظيمة، والسنن المستقيمة، ما لو جمعت حكمة سائر الأمم علماً وعملاً إلى الحكمة التي بُعث بها لتفاوتا تفاوتاً يمنع معرفة قدر النسبة بينهما؛ فلله الحمد كما يحب ربنا ويرضى» [13].

ولذا صار الشرك بالله - تعالى - أعظم الذنوب.

عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله! أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله نِدّاً وهو خلقك» قلت: ثم أيّ؟ قال: «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك» قلت: ثم أيّ؟ قال: «أن تزاني حليلة جارك» [14].

وعند تأمُّل حال أمة ليس فيها سلطان للدين ولا رقيب منه، وكيف يتسلط بعضهم على بعض عند ذلك؛ لأن أهواء الناس تتفاوت وتختلف، وكل شخص سيفعل ما يراه مصلحةً له بحسب هواه، وإن منعه وازع من السلطان في العلن، فلن يتحفظ في السرّ، وعند ضعف الوازع السلطاني عن الاعتداء على الأموال والأنفس والأعراض، فترى النفوس تُغتال، والأموال تُختلَس والأعراض تُنتهَك، والشاهد الجلي لهذا حال الدول غير المسلمة إذا ضعفت فيها السلطة، فتحصل الاغتيالات وانتهاب الأموال وانتهاك الأعراض [15].

ولذا كانت البيعة التي يأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرجال والنساء تتضمن أن لا يشركوا ولا يزنوا ولا يقتلوا كما جاء في سورة الممتحنة وكتب الحديث [16].

بل (ويكثر في السياق القرآني مجيء النهي عن هذه المنكرات الثلاثة متتابعةً: الشرك، والزنا، وقتل النفس؛ ذلك أنها كلها جرائم قتل في الحقيقة! الجريمة الأولى قتل للفطرة، والثانية جريمة قتل للجماعة، والثالثة جريمة قتل للنفس الموءودة.

إن الفطرة التي لا تعيش على التوحيد فطرة ميتة .. ومن ثَمّ يجعل الإسلام عقوبة هذه الجرائم هي أقسى العقوبات؛ لأنّه يريد حماية مجتمعه من عوامل الدمار .. ) [17].

والتساهل في هذه العقوبة يؤدي إلى زعزعة النظام الاجتماعي القائم على الدين، فكان لا بد من تشديد العقوبة لاستئصال المجرم من المجتمع منعاً للجريمة وزجراً عنها.

وشدة العقوبة تولّد في نفس الإنسان من العوامل الصارفة عن الجريمة ما يكبت العوامل الدافعة إليها، ويمنع من ارتكاب الجريمة في أغلب الأحوال [18].

ومن المعلوم أن العقوبات تتناسب مع الجرائم؛ فكلما ازدادت بشاعة الجريمة استلزمت عقاباً موازياً لها في الشدة [19].

ومن المبادئ المتفق عليها لدى التشريعات الجنائية مبدأ مقارنة جسامة الجريمة بجسامة العقوبة، وكلما زادت العقوبة في جسامتها دل ذلك على ارتفاع جسامة الوصف القانوني للجريمة.

ويطلق على هذا المبدأ: مبدأ التناسب بين الجريمة والعقوبة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير