تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

"وأما معنى إنزال القرآن في رمضان مع أن المعروف باليقين أن القرآن نزل منجماً متفرقاً في مدة البعثة كلها فهو أن ابتداء نزوله كان في رمضان وذلك في ليلة منه سميت ليلة القدر، أي الشرف، والليلة المباركة، كما في آيات أخرى، وهذا المعنى ظاهر لا إشكال فيه، على أن لفظ القرآن يطلق على هذا الكتاب كله. ويطلق على بعضه. وقد ظن الذين تصدوا للتفسير منذ عصر الرواية أن الآية مشكلة ورأوا في حل الإشكال أن القرآن نزل ليلة القدر من رمضان إلى سماء الدنيا، وكان في اللوح المحفوظ فوق سبع سماوات ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم منجماً بالتدريج وظاهر قولهم هذا أنه لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان منه شيء خلافاً لظاهر الآيات، ولا تظهر المنة علينا ولا الحكمة في جعل رمضان شهر الصوم على قولهم هذا لأن وجود القرآن في سماء الدنيا كوجوده في غيرها من السماوات أو اللوح المحفوظ من حيث إنه لم يكن هداية لنا، ولا تظهر لنا فائدة في هذا الإنزال ولا في الإخبار به، وقد زادوا على هذا روايات في كون جميع الكتب السماوية أنزلت في رمضان. كما قالوا إن الأمم السابقة كلفت صيام رمضان1.

وأياً ما كان الأمر فإنه لا يتعلق بهذه القضية أمرّ ذو بال فلا يضير المسلم أي المسلكين سلكه وإنما أحببت أن أنبه على هذا لأن كثيراً من المسلمين يحسبون أن كون القرآن الكريم له عدة تنزلات أمر لا يجوز مخالفته.

ثالثاً: فرية القول بنزول القرآن بالمعنى:

سامح الله بعض العلماء الذين يذكرون في كتبهم عن حسن نية ما غثّ وسمُن، وما علم هؤلاء رحمهم الله أن هناك أناساً يتصيّدون كل ما يرونه محققاً لمصالحهم مما يكيدون به هذا الدين، وسنرى كثيراً من هذا في موضوعات علوم القرآن. والقضية التي نحن بصددها من أخطر القضايا التي لو قدرّ لها أن تحيا لعصفت لا سمح الله بقواعد هذا الدين وأحكامه، ولكن هيهات هيهات.

فلقد تكفل الله بحفظ هذا الكتاب ونصرة هذا الدين، ذكر الزركشي في البرهان2، وتبعه السيوطي في الإتقان3، رحمهما الله وعفا عنهما، وهما يتحدثان عن نزول القرآن الكريم أقوالاً منها: نزول القرآن بالمعنى، أما لفظ القرآن فذهب بعضهم إلى أن جبريل هو الذي صاغ هذه الألفاظ، وذهب آخرون إلى أن الذي صاغ ألفاظ القرآن هو النبي صلى الله عليه وسلم وشبهتهم في هذا القول فهمهم الخاطئ لقول الله تبارك وتعالى: (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) (سورة الشعراء/ 192 - 195).

وتفصيل هذه الشبهة أن الله سبحانه وتعالى بينّ للنبي صلى الله عليه وسلم أن الروح الأمين جبريل عليه السلام نزل بالقرآن على قلب النبي، قالوا والذي يناسب النزول على القلب هو المعنى، أما اللفظ فإنما يخص به السمع، ثم قال سبحانه (لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) أي تنذر الناس بلسان عربي. فقوله سبحانه (بلسان عربي) متعلق بقوله (من المنذرين) أي من المنذرين بلسان عربي وهذا الفهم للآية الكريمة مردود من جوانب كثيرة.

أولاً: لا مانع أن ينزل اللفظ والمعنى على القلب ونحن نرى في عصر العلم اليوم ما يبهر العقول فهذه الإشارات التي ترسلها مركبات الفضاء من كواكب بيننا وبينها ألوف الأميال ومئات الألوف ترسلها إشارات تتحول إلى ألفاظ هذا شأن البشر ولله المثل الأعلى.

ثانياً: أن تعلق قوله سبحانه تعالى (بلسان عربي مبين) بقوله (لتكون من المنذرين) ليس له كبير فائدة، فليس النبي وحده الذي ينذر بلسان عربي مبين بل إن غيره من الأنبياء العرب كهود وصالح وشعيب وإسماعيل ومن بعده كذلك من العرب كانوا ينذرون بلسان عربي ثم إن الإنذار بهذا القرآن ليس للعرب وحدهم (وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) (سورة الأنعام/ 19). وعلى هذا فإن المعنى الصحيح للآيات الكريمات (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) فقوله سبحانه (بلسان عربي مبين) متعلق بقوله سبحانه (نزل به الروح الأمين) أي نزل به الروح الأمين بلسان عربي وإنما أخرت هذه الآية (بلسان عربي) عن قوله (لتكون من المنذرين) ليبين ما للإنذار من أهمية قصوى.

قال الزمخشري رحمه الله ......

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير