والذي نحن به موقنون: أنَّ مَن ينجي المراكب في البرِّ والبحر، ويشفي المرضى في الليل والنهار، ويكشف الكربات، ويغيث المضطرين… ليس إلا الله سبحانه… القريب المجيب، بمحض فضله، ومشيئته وحده، واستجابة لمن دعاه من الصالحين، بقلبٍ سليمٍ، ولسانٍ مبينٍ.
قضاء الحاجات، وكشف الكربات، ونجاة المراكب، ليست إذن لوجود "صحيح البخاري"، أو سواه، في البيت، أو المركب، ولا بتعليق الحجب، والتمائم في الأعناق والآباط؛ إنما هي مقادير تجري وفق مشيئة الله سبحانه بعد الأخذ بالأسباب الصحيحة المعلومة للنَّاس ...
ولهذا نذهب - بكل الاطمئنان - إلى القول بأنَّ وجود "صحيح البخاري"، أو سواه، في مركب لا ينجيها مِن الغرق والحريق، وأنَّ قراءته لقضاء الحاجات، ودفع البليات، وكشف الكربات، وشفاء المرضى ... الخ، ليس هو الترياق (2) …أ. هـ"مقدمة تحفة الأحوذي" (ص 90 - 92).
2. كتب بعض الأزهريين - مِن أهل السنَّة - مقالاً ساخراً سماه " بماذا دفع العلماء نازلة الوباء؟! " – وقد نقله برمَّته العلامة جمال الدين القاسمي في كتابه "قواعد التحديث" وكان مما قاله فيه:
دفعوها يوم الأحد الماضي في الجامع الأزهر بقراءة متن "البخاري"، موزعاً كراريس على العلماء، وكبار المرشحين للتدريس، في نحو ساعة، جرياً على عادتهم من إعداد هذا المتن أو السلاح الجبري! لكشف الخطوب، وتفريج الكروب، فهو يقوم عندهم في الحرب: مقام المدفع والصارم والأسل (3)! وفي الحريق: مقام المضخة والماء! وفي الهيضة (4): مقام الحيطة الصحيحة، وعقاقير الأطباء! وفي البيوت: مقام الخفراء والشرطة! ... وإذا كان هذا السرُّ العجيب جاء مِن جهة أنَّ المقرر حديث نبوي، فلِمَ خُصَّ بِهذه المزية مؤلَّف "البخاري"؟! ولِمَ لَمْ يَجُز في هذا " موطأ مالك" وهو أعلى كعباً وأعرق نسباً وأغزر علماً؟! …
وإذا جَرَوْا على أنَّ الأمرَ مِن وراء الأسباب؛ فلِمَ لا يقرؤُه العلماء لدفع ألم الجوع، كما يقرؤونه لإزالة المغص، أو القيء، أو الإسهال؟! ... فإنَّا نعلم أنَّه -أي: صحيح البخاري- قرئ للعرابيين في واقعة " التل الكبير " -وهي في مصر- فلم يلبثوا أنْ فشلوا، ومُزِّقوا شرَّ ممزَّقٍ ... أمَّا أنا فلا أزال أُلِحُّ في طلب الجواب الشافي عن أصل دفع الوباء بقراءة الحديث، وعن منح "متن البخاري" مزيةً لم يُمنَحْها "كتاب الله" الذي نعتقد أنَّه متعبَّد بتلاوته دون الحديث ... أ. هـ"قواعد التحديث" (ص 264 - 267).
الأسباب وموقف المسلم منها:
قلت: وينبغي للمسلم أنْ يعلَم حقيقة "الأسباب" في التوحيد، وسأذكر ما تيسر مِن أقوال أئمَّتنا في ذلك.
أ. قال شيخ الإسلام رحمه الله: ولهذا قال طائفةٌ مِن العلماء، الالتفاتُ إلى الأسباب شركٌ في التوحيد، ومحوُ الأسبابِ أنْ تكون أسباباً؛ نقصٌ في العقل، والإعراضُ عن الأسباب بالكليَّةِ قدحٌ في الشرع، وإنَّما التوكل المأمور به: ما اجتمع فيه مقتضى التوحيد، والعقل، والشرع. أ.هـ"مجموع الفتاوى" (10/ 35).
ب. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: يجب على العبد أن يعرف في الأسباب ثلاثة أمورٍ:
الأول: ألاَّ يجعل منها سبباً؛ إلاَّ ما ثبت أنَّه سببٌ شرعاً، أو قدراً.
الثاني: أنْ لا يَعتمد العبدُ عليها، بل يعتمد على مسبِّبها، ومقدِّرها، مع قيامه بالمشروع منها، وحرصه على النَّافع منها.
الثالث: أنْ يعلم أنَّ الأسباب مهما عظمت، وقويت؛ فإنَّها مرتبطةٌ بقضاء الله وقدره لا خروجَ لها عنه. أ.هـ"القول السديد شرح كتاب التوحيد" (ص 34).
ج. وقال الشيخ محمد الصالح بن عثيمين حفظه الله: والنَّاس في الأسباب: طرفان ووسط.
الأول: مَن يُنكر الأسباب، وهم كل مَن قال بنفي حكمة الله كالجبريَّة، والأشعريَّة.
الثاني: مَن يغلو في إثبات الأسباب حتى يجعلوا ما ليس بسببٍ سبباً؛ وهؤلاء هم عامَّة الخرافيين مِن الصوفيَّة، ونحوهم.
الثالث: مَن يؤمن بالأسباب وتأثيراتِها، ولكنَّهم لا يثبتون مِن الأسباب إلا ما أثبته الله سبحانه، ورسوله سبباً شرعيّاً أو كونيّاً أ. هـ "القول المفيد" (1/ 159 - 160).
والله أعلم
======
الهوامش
(1) وهو يردُّ بذلك على ابن أبي جمرة، وغيره، ممن ذكرهم صاحب "تحفة الأحوذي" - ولم ينكر عليهم، بل أقرهم!
(2) وكيف يكون صحيح البخاري ترياقاً وقد أصاب صاحبَه نفسَه -أي الإمام البخاري- ما أصابه من الشدائد، والغمِّ، والهمِّ، حتى إنَّه سأل الله أن يقبضه إليه!؟، ثمَّ يزعم الزاعمون أنَّ "الصحيح" يفرج الهموم ويحفظ المراكب!
(3) الأسل: الرماح والنبل.
(4) الهيضة: المرضة بعد المرضة.
كتبه
إحسان بن محمد بن عايش العتيبي
أبو طارق
ـ[أبوهمام الطائفي]ــــــــ[11 - 03 - 07, 03:17 م]ـ
إن كان اعتقاد البركة خاصا بالكتاب أي يضنها في الكتاب فلا شك أنه أ [عد النجعة ...
أما إن كان يظن البركة بقراءة حديث النبي صلى الله عليه وسلم فلا شك أنها البركة كل البركة بعد كلام الله عز وجل ....
¥