يقول شيخ الإسلام: (فبين سبحانه وتعالى أن من تولى عن طاعة الرسول، وأعرض عن حكمه فهو من المنافقين، وليس بمؤمن وأن المؤمن هو الذي يقول سمعنا وأطعنا، فالنفاق يثبت ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إلى غيره) (الصارم المسلول 33).
يقول ابن القيم: (فجعل الإعراض عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والالتفات إلى غيره هو حقيقة النفاق، كما أن حقيقة الإيمان هو تحكيمه وارتفاع الحرج عن الصدور بحكمه .. ) (مختصر الصواعق المرسلة 2/ 353).
كما أن ابن القيم قال في (الفوائد): (إن المدعو إلى الإيمان إذا قال لا أصدق ولا أكذب، ولا أحب ولا أبغض ولا أعبده ولا أعبد غيره كان كافراً بمجرد الترك والإعراض) (ص/114).
وقال سبحانه: ((وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ)) (النور: 47 - 48).}
قال شيخ الإسلام: (فنفي الإيمان عمن تولى عن العمل وإن كان قد أتى بالقول .. ) (مجموع الفتاوى 7/ 142)
كما ذكر الشيخ الإمام محمد بن عبدا لوهاب رحمه الله الإعراض عن دين الله تعالى ضمن نواقض الإسلام مستدلاً بقوله تعالى: ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ)) (السجدة: 22).
ج- وتناقض الكاتب مرة ثالثة عندما أطلق هذه المقالة: (أن المسلم لا يكفر بقول أو فعل أو اعتقاد إلا بعد أن تقام عليه الحجة وتزال عنه الشبهة) (ص/18).
فمقالته السالفة تناقض ما أورده من كلام لابن قدامة رحمه الله حيث يقول أثناء كلامه عن تارك الصلاة: (فإن كان جاحداً لوجوبها -أي الصلاة- نظر فيه، فإن كان جاهلاً به، وهو من يجهل ذلك كالحديث الإسلام، والناشئ ببادية عرِّف وجوبها وعلم ذلك، ولم يحكم بكفره لأنه معذور، فإن لم يكن ممن يجهل ذلك كالناشئ من المسلمين في الأمصار والقرى، لم يعذر ولم يقبل منه ادعاء الجهل، وحكم بكفره لأن أدلة الوجوب ظاهرة) (المغني 6/ 44 (.
فليس الجهل عذراً مقبولاً لكل من ادعاه، كما أن إقامة الحجة ليس في كل مسألة مطلقاً، فهناك أمور لا يتوقف في كفر قائلها، ولذا يقول الشيخ محمد بن عبدا لوهاب: (ومسألة تكفير المعين مسألة معروفة إذا قال قولاً يكون القول به كفراً، فيقال من قال بهذا القول فهو كافر، لكن الشخص المعين إذا قال ذلك لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس .. وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة أو ما يعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله) (الدرر السنية 8/ 244).
وانظر فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (1/ 74)، وفتاوى اللجنة الدائمة في السعودية (1/ 528)
د- وهاك أخي القارئ تناقضاً رابعاً للكاتب عندما قصر الاستحلال على التكذيب فقط (انظر ص/119 من الكتاب المذكور)، واحتج لدعواه بكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية إذ يقول: (أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعوهم على التبديل، فيعتقدوا تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل، فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركاً) (مجموع الفتاوى 7/ 70).
فظاهر كلام شيخ الإسلام أن هؤلاء ليسوا مكذبين حيث يعلمون أنهم خالفوا دين الرسل .. فليس الاستحلال محصوراً في التكذيب فقط كما توهمه العنبري، فإن هذا الاستحلال يعد في حد ذاته كفراً، وإن لم يكن هناك متابعة أو طاعة لأولئك الأرباب، ومناط الكفر في الآية: ((اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ)) (التوبة:31).
هو القبول والمتابعة في هذا التبديل، ويدل على ذلك حديث البراء بن عازب رضي الله عنه حيث قال: (مر بي عمي الحارث بن عمرو ومعه لواء قد عقده له رسول الله صلة الله عليه وسلم فسألته، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب عنق رجل تزوج امرأة أبيه) 1
[1] أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وحسنه ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود وصححه الألباني في إرواء الغليل
¥