وعلى افتراض صحة الرواية فإنها ليست صريحة في السب وإنما مجرد النيل من الشخص. ويمكن أن يكون النيل من الشخص بغير حق مما يراه الرائي أنه حق. فهو ليس صريحا في السب. والرافضة يلعنون أبا بكر وعمر وبقية الصحابة ويقولون نحن لا نسب وإنما نلعن. فتأمل. وقد أجازوا الإكثار من السب لمن كان مخالفا لمذهبهم. وروت الشيعة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «إذا رأيتم أهل البدع والريب من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كي لا يطعموا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس» (الفصول المهمة في أصول الأئمة2/ 232 مجمع الفائدة13/ 163 منهاج الفقاهة1/ 378).
وذكرت كتب الرافضة أن هذا «محمول على اتهامهم وسوء الظن بهم بما يحرم اتهام المؤمن به بأن يقال: لعله زان أو سارق .. ويحتمل إبقاؤه على ظاهره بتجويز الكذب عليهم لأجل المصلحة» (كتاب المكاسب للأنصاري2/ 118 منهاج الفقاهة2/ 228). وعن أبي حمزة الثمالي أنه قال لأبي جعفر عليه السلام: إن بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم، فقال: الكف عنهم أجمل» علق الأنصاري على الرواية بأن فيها «دلالة على جواز الافتراء وهو القذف على كراهة» (كتاب المكاسب للأنصاري2/ 119).
الشبهة الثانية / أن معاوية رضي الله عنه وأرضاه سم الحسن رضي الله عنه وأرضاه:
الرد على الشبهة / وفاة الحسن بن علي رضي الله عنهما:
كانت وفاة الحسن بن علي رضي الله عنه سنة (51هـ) مسموماً، وصلى عليه سعيد بن العاص رضي الله عنه والي المدينة من قبل معاوية من سنة (49 - 54هـ). انظر: طبقات ابن سعد (القسم المفقود) تحقيق محمد بن صامل (1/ 341 - 344).
ولم يرد في خبر وفاة الحسن بن علي رضي الله عنه بالسم خبر صحيح أو رواية ذات أسانيد صحيحة .. وفي ما يلي أقوال أهل العلم في هذه المسألة:-
1 - قال ابن العربي رحمه الله في العواصم (ص 220 - 221): فإن قيل: دس - أي معاوية - على الحسن من سمه، قلنا هذا محال من وجهين:-
أحدهما: أنه ما كان ليتقي من الحسن بأساً وقد سلّم الأمر.
الثاني: أنه أمر مغيب لا يعلمه إلا الله، فكيف تحملونه بغير بينة على أحد من خلقه، في زمن متباعد، لم نثق فيه بنقل ناقل، بين أيدي قوم ذوي أهواء، وفي حال فتنة وعصبية، ينسب كل واحد إلى صاحبه مالا ينبغي، فلا يقبل منها إلا الصافي، ولا يسمع فيها إلا من العدل الصميم.
2 - قال ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة (4/ 469): وأما قوله: إن معاوية سم الحسن، فهذامما ذكره بعض الناس، ولم يثبت ذلك ببينة شرعية، أو إقرار معتبر، ولا نقل يجزم به، وهذا مما لا يمكن العلم به، فالقول به قول بلا علم.
- قال الذهبي رحمه الله في تاريخ الإسلام (عهد معاوية) (ص 40): قلت: هذا شيء لا يصح فمن الذي اطلع عليه.
4 - قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (8/ 43): وروى بعضهم أن يزيد بن معاوية بعث إلى جعدة بنت الأشعث أن سُمّي الحسن وأنا أتزوجك بعده، ففعلت، فلما مات الحسن بعثت إليه فقال: إنا والله لم نرضك للحسن أفنرضاك لأنفسنا؟ وعندي أن هذا ليس بصحيح، وعدم صحته عن أبيه معاوية بطريق الأولى والأحرى.
5 - قال ابن خلدون في تاريخه (2/ 649): وما نقل من أن معاوية دس إليه السم مع زوجته جعدة بنت الأشعث، فهو من أحاديث الشيعة، وحاشا لمعاوية من ذلك.
وقد علق الدكتور جميل المصري على هذه القضية في كتابه: أثر أهل الكتاب في الفتن والحروب الأهلية في القرن الأول الهجري (ص 482) بقوله: .. ثم حدث افتعال قضية سم الحسن من قبل معاوية أو يزيد .. ويبدو أن افتعال هذه القضية لم يكن شائعاً آنذاك؛ لأننا لا نلمس لها أثراً في قضية قيام الحسين، أو حتى عتاباً من الحسين لمعاوية.
¥