تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: هذا حق لا شك فيه, فإثبات الأخص الذي هو النبوة يستلزم إثبات الأعم وهو الصديقية. ولا يلزم من إثبات الأخص نفي الأعم, فلا تعارض, فتأمله.

وأما قصة الأقرع والأبرص فليس فيها أنهم علموا أن الذي يخاطبهم ملك, ولا أنه أتاهم في صورة ملك, أو أخبرهم أنه كذلك, ويجوز لأي أحد منا أن يقول لمن ابتلاه وامتحنه الله بنعمة فكفرها فرفعها عنه: (ابتلاك الله) و (قد سخط الله عليك) , ويقول لمن شكر النعمة: (قد رضي الله عنك).

نتيجة:

ظهر بهذا أن قوله: (فهؤلاء جماعة من غير الأنبياء ... ) خطأ للأسف. ولست أستدل بكلام ابن حزم لأنه من ابن حزم, بل أستدل بما فيه من دليل عقلي وشرعي سليم إن شاء الله.

وعجب من بعض من ادعى من جماعة العدل والإحسان أنه رأى جبريل وقد غطا جمعا منهم بجناحيه, فجبريل أعظم من ذلك وله ستمائة جناح, ولو نشر جناحا واحدا لغطى الأفق لا جماعة من الناس, هذا ولم ينكر عليها أحد من جماعتها, أفليس فيهم رجل رشيد أو امرأة؟!.

أما دعاوى أفراد الجماعة الرؤى والمنامات فتحتاج إلى إثبات. فليس كل من رأى شيئا كان حقا, هذا إن كانوا صادقين في ذلك, وإلا فقد قال النبي e : ( إن من أفرى الفرى أن يُرِيَ الرجل عينه في المنام ما لم تر) رواه أحمد عن ابن عمر (صحيح الجامع رقم:2211)

الوسيلة الثانية: الإلهام والتحديث.

عرفه ابن الأزرق بصرني الله وإياه بعيوبنا بقوله: (هو أن يقذف الله في قلب عبد من عباده معلومة لا يتردد في صدقها. فالله تعالى يزرع في فؤاده يقينا لا يخالطه أدنى شك.)

قلت: هذا تعريف تجاوز صاحبه الحد. ومن أحسن تعاريف الإلهام المقبولة ما عرفه به صاحب الحدود الأنيقة فقال: (هو إلقاء معنى في القلب يطمئن له الصدر يخص الله به بعض أصفيائه وليس بحجة معصوم) ولسنا ننكر الإلهام إنما ننكر الجزم به وتصديقه وكأنه حجة دون عرضه على الحس والشرع, فإن كان إخبارا بغيب لم يصدق حتى يثبته الحس والواقع, بخلاف الأنبياء فإن إلهامهم وحي وحق, وإن كان إلهاما بحكم شرعي لم يثبت إلا بشاهدين عدلين كتاب الله وسنة رسوله.

قال الحافظ في الفتح في شرح حديث (لو كان في أمتي محدث ... ) في فضائل عمر: (إن المحدث منهم إذا تحقق وجوده لا يحكم بما وقع له بل لابد له من عرضه على القرآن, فإن وافقه أو وافق السنة عمل به, وإلا تركه, وهذا وإن جاز أن يقع , لكنه نادر ممن يكون أمره منهم مبنيا على اتباع الكتاب والسنة).

والذي نص عليه أهل العلم أن (الإلهام دعوى مجردة من الدليل ولو أعطي كل امرىء بدعواه المعراة لما ثبت حق ولا بطل باطل ولا استقر ملك أحد على مال ولا انتصف من الظالم ولا صحت ديانة أحد أبدا لأنه لا يعجز أحد عن أن يقول ألهمت أن دم فلان حلال وأن ماله مباح لي أخذه وأن زوجه مباح لي وطؤها وهذا لا ينفك منه وقد يقع في النفس وساوس كثيرة لا يجوز أن تكون حقا وأشياء متضادة يكذب بعضها بعضا فلا بد من حاكم يميز الحق منها من الباطل وليس ذلك إلا العقل الذي لا تتعارض دلائله) قاله ابن حزم رحمه الله في الإحكام (1/ 20).

وقال المناوي في فيض القدير (4/ 507): (ليس لأحد من الأولياء العمل بالوارد حتى يزنه بالميزان فإن وافق انتفع به هو ومن كاشفه به ممن يعتقد صدقه وزادهم إيمانا) وقال هناك أيضا: (ولهذا كان عمر يزن الوارد بميزان الشرع فإن وافق وإلا لم يلتفت إليه)

وقال الشاطبي المالكي في الموافقات: (هذه الأمور لا يصح أن تراعى وتعتبر إلا بشرط أن لا تخرم حكما شرعيا ولا قاعدة دينية فإن ما يخرم قاعدة شرعية أو حكما شرعيا ليس بحق في نفسه بل هو إما خيال أو وهم وإما من إلقاء الشيطان وقد يخالطه ما هو حق وقد لا يخالطه وجميع ذلك لا يصح اعتباره من جهة معارضته لما هو ثابت مشروع وذلك أن التشريع الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم عام لا خاص كما تقدم في المسألة قبل هذا وأصله لا ينخرم ولا ينكسر له اطراد ولا يحاشى من الدخول تحت حكمه مكلف وإذا كان كذلك فكل ما جاء من هذا القبيل الذي نحن بصدده مضادا لما تمهد في الشريعة فهو فاسد باطل).وقد قال السرخسي الحنفي في المبسوط (16/ 133): (من يعتقد أن الإلهام حجة موجبة للعلم لا تقبل شهادته)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير