وقال صاحب بدائع الصنائع وهو حنفي (6/ 269): (لا عدالة لأهل الإلهام لأنهم يحكمون بالإلهام فيشهدون لمن يقع في قلوبهم أنه صادق في دعواه ومعلوم أن ذلك لا يخلو عن الكذب)
وقال ابن بدران الحنبلي في مدخله (ص297): (لو فتح بابه لأدى إلى مفاسد كثيرة ولكان للمتدلسين مدخل لإفساد أكثر الشرع فالصواب أن لا يلتفت إليه وإلا لادعى كثير منهم إثبات ما يلذ لهم بالإلهام والكشف)
قال ابن الأزرق: (ويجمع أئمة الإسلام على أن الإلهام من أقسام الوحي, وعلى أنه ليس خاصا بالأنبياء)
قلت: كونه من أقسام الوحي صحيح, كما أن الرؤيا من أقسام الوحي أيضا, وهما حق يعمل بهما إن كانا للأنبياء, وأما غيرهم فلا. وقد بينت الحق في ذلك في ردي على ابن الأزرق في دعواه حجية العمل بالرؤى في بحث مستقل نشر بموقع (الخرافة) المبارك. وكونه يقع لغير الأنبياء صحيح أيضا.قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (هو للأنبياء بالنسبة للوحي كالرؤيا ويقع لغير الأنبياء) ولسنا نختلف في هذا , إنما نختلف في كونه حقا مجردا عن الدليل الحسي أو الشرعي.
الشاهد الأول
قلت: استشهاده بقصة أم موسى خطأ, والصواب أن إلهام الله لأم موسى إلهام نبوة. قال ابن حزم رحمه الله في الفصل في أم موسى: (هذه نبوة صحيحة لا شك فيها, وبضرورة العقل يدري كل ذي تمييز صحيح أنها لو لم تكن واثقة بنبوة الله عز وجل لها لكانت بإلقائها ولدها في اليم برؤيا تراها أو بما يقع في نفسها أو قام في هاجسها في غاية الجنون والمرار الهائج, ولو فعل ذلك أحدنا لكان في غاية الفسق, أو في غاية الجنون , مستحقا لمعافاة دماغه في المارستان لا يشك في هذا أحد.) وهذا كلام متين جدا.
قال السمعاني رحمه الله تعالى في قواطع الأدلة (1/ 828) وهو من أئمة أهل الحديث: (قال جمهور العلماء: إنه خيال لا يجوز العمل به إلا عند فقد الحجج كلها في باب ما أبيح , وقال بعض الجهمية إنه حجة بمنزلة الوحي المسموع عن رسول الله e.) فظهر بهذا أن الاحتجاج بالإلهام دون شاهد من الحس أو الشرع قول لبعض الجهمية.
وإن كنا نسلم بوجوده, فإننا نعلم أنه نادر وخاص ببعض الكبار والمصطفين من عباد الله الصالحين, ولذلك قال المناوي في فيض القدير (3/ 576): الإلهام نادر وخاص.) وأصحاب عبد السلام ياسين ينسبونه لمن هب ودب منهم.
ويحتجون به , وما يحتجون به إلا لوقوعه لواحد من جماعتهم, فلعله لو ألهم أحد مخالفيهم بنقيض ما ألهموا به لردوه. فليست العبرة عندهم بحجية الإلهام, إنما العبرة عندهم بأن يصدر من أحد أعضاء جماعتهم.!!
الشاهد الثاني
قلت: ليس في الخبر ذكر للإلهام, إنما قال أبو بكر: (أراها) بضم الهمزة على البناء للمفعول, وهي صيغة تردد لا جزم, وقد تفطن ابن الأزرق لهذا فأشار إلى روايتين تصرحان بكون ذلك إلهاما وفيهما (ألقي في روعي). إحداهما عند ابن الجوزي في الصفوة والأخرى عند الطبري في الرياض.
أما ابن الجوزي فلم يرو القصة بإسناد , إنما قال عقب ذكره لرواية (أظنها): (وفي رواية ألقي في روعي) ولم يحل إلى مصدره, وأما المحب الطبري فإنه قال: ذكره الهروي. والقاعدة عند العلماء (إن كنت ناقلا فالصحة, وإن كنت مدعيا فالدليل).
والذي صح في الخبر أنه قال: (أراها جارية) , وفي رواية عند ابن سعد في الطبقات (3/ 194) واللالكائي في كرامات الأولياء (رقم62) بإسناد صحيح: (أظنها جارية) , وهي موافقة لما في الرواية المشهورة (أراها جارية).
قال الشاطبي في الموافقات (3/ 62): (لذلك قال أبو بكر (أراها جارية) فأتى بعبارة الظن التي لا تفيد حكما)
وقال السرخسي في المبسوط (12/ 50): (لا بأس للإنسان أن يتكلم بمثل هذا بطريق الفراسة فإن أبا بكر رضي الله عنه قال ذلك بفراسته ولم يكن ذلك منه رجما بالغيب فإن ما في الرحم لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى كما قال الله تعالى: (ويعلم ما في الأرحام) ولهذا قيل: أفرس الناس أبو بكر رضي الله عنه حيث تفرس في حبل امرأته أنها جارية فكان كما تفرس) وللفراسة: (سببان ,أحدهما جودة ذهن المتفرس وحدة قلبه وحسن فطنته, والثاني ظهور العلامات والأدلة على المتفرس فيه فإذا اجتمع السببان لم تكد تخطىء للعبد فراسة وإذا انتفيا لم تكد تصح له فراسة وإذا قوي أحدهما وضعف الآخر كانت فراسته بين بين) قاله ابن القيم في المدارج. وكثير من الناس قد يستدل بأمارات تظهر
¥