المقام الأول: أن لله تعالى عينين، فهذا هو المعروف عن أهل السنة والجماعة، ولم يصرح أحد منهم بخلافه فيما أعلم. وقد نقل ذلك عنهم أبو الحسن الأشعري في كتابه: "اختلاف المصلين ومقالات الإسلاميين". قال: "مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث" فذكر أشياء ثم قال: "وأن له عينين بلا كيف كما قال: "تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا" [القمر:14] ". نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية (ص 90/ 5) من مجموع الفتاوى لابن قاسم، ونقل عنه أيضاً مثله في (ص92) عن كتابه: "اختلاف أهل القبلة في العرش". ونقل عنه أيضاً مثله في (ص94) عن كتابه: "الإبانة في أصول الديانة". وذكر له في هذا الكتاب ترجمة باب بلفظ: "باب الكلام في الوجه، والعينين، والبصر، واليدين". ونقل شيخ الإسلام في هذه الفتوى (ص99) عن الباقلاني في كتابه: "الإبانة". قوله: "صفات ذاته التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها هي الحياة والعلم"، إلى أن قال: "والعينان واليدان".
ونقل ابن القيم (ص 118، 119، 120) في كتابه: "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية" عن أبي الحسن الأشعري، وعن الباقلاني في كتابيه: "الإبانة" و"التمهيد" مثل ما نقل عنه شيخ الإسلام، ونقل قبل ذلك في (ص114) عن الأشعري في كتابه: "الإبانة" أنه ذكر ما خَالفتْ به المعتزلة كتاب الله ـ تعالى ـ، وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وإجماع الصحابة إلى أن قال: "وأنكروا أن يكون لله عينان مع قوله ـ تعالى ـ: "تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا" [القمر:14].
وقال الحافظ ابن خزيمة في "كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب" (ص30): "بيان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي جعله الله مبيناً عنه في قوله ـ عزّ وجلّ ـ: "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ" [النحل:44] فبين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن لله عينين، فكان بيانه موافقاً لبيان محكم التنزيل، ثم ذكر الأدلة، ثم قال في (ص35): "نحن نقول: لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى".
وقال في (ص 55، 56): "فتدبروا يا أولي الألباب ما نقوله في هذا الباب في ذكر اليدين؛ ليجري قولنا في ذكر الوجه والعينين تستيقنوا بهداية الله إياكم، وشرحه ـ جلّ وعلا ـ صدوركم للإيمان بما قصه الله ـ عزّ وجلّ ـ في محكم تنزيله، وبينه على لسان نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من صفات خالقنا ـ عزّ وجلّ ـ وتعلموا بتوفيق الله إياكم أن الحق والصواب والعدل في هذا الجنس مذهباً مذهب أهل الآثار ومتبعي السنن، وتقفوا على جهل من يسميهم مشبهة" ا. هـ.
فتبين بما نقلناه أن مقالة أهل السنة والحديث أن لله تعالى عينين تليقان بجلاله وعظمته لا تُكيّفان، ولا تشبهان أعين المخلوقين، لقوله ـ تعالى ـ: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" [الشورى:11].
روى عثمان بن سعيد الدارمي (ص47) من رده على المريسي بسنده عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قرأ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً". فوضع إصبعه الدعاء على عينيه، وإبهامه على أذنيه.
المقام الثاني: في ذكر الأدلة على إثبات العينين:
قال البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ: باب قول الله ـ تعالى ـ: "وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي" [طه:39]. وقوله ـ جل ذكره ـ: "تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا" [القمر:14] ثم ساق بسنده حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: ذكر الدجال عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: "إنه لا يخفى عليكم أن الله ليس بأعور ـ وأشار بيده إلى عينه ـ وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية ".
وقد استدل بحديث الدجال على أن لله تعالى عينين عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه: "الرد على بشر المريسي" الذي أثنى عليه شيخ الإسلام ابن تيمية. وقال: "إن فيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما" ـ يعني ـ هذا الكتاب وكتابه الثاني: "الرد على الجهمية".
قال الدارمي في الكتاب المذكور (ص 43 ـ ط: أنصار السنة المحمدية)، بعد أن ساق آيتي صفة العينين: "ثم ذكر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الدجال فقال: إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور. قال: والعور عند الناس ضد البصر، والأعور عندهم ضد البصير بالعينين".
¥