تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال في (ص 48): "ففي تأويل قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إن الله ليس بأعور" بيان أنه بصير ذو عينين خلاف الأعور".

واستدل به أيضاً الحافظ ابن خزيمة في "كتاب التوحيد" كما في (ص31) وما بعدها.

ووجه الاستدلال به ظاهر جداً؛ فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أراد أن يبين لأمته شيئاً مما ينتفي به الاشتباه عليهم في شأن الدجال في أمر محسوس، يتبين لذوي التفكير العالمين بالطرق العقلية وغيرهم، بذكر أن الدجال أعور العين، والرب ـ سبحانه ـ ليس بأعور، ولو كان لله ـ تعالى ـ أكثر من عينين لكان البيان به أولى لظهوره، وزيادة الثناء به على الله ـ تعالى ـ؛ فإن العين صفة كمال، فلو كان لله أكثر من اثنتين كان الثناء بذلك على الله أبلغ.

وتقرير ذلك أن يقال: ما زاد على العينين فإما أن يكون كمالاً في حق الله ـ تعالى ـ أو نقصاً، فإن كان نقصاً فهو ممتنع على الله ـ تعالى ـ لامتناع صفات النقص في حقه، وإن كان كمالاً فكيف يهمله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع كونه أبلغ في الثناء على الله تعالى!! فلما لم يذكره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ علم أنه ليس بثابت لله ـ عزّ وجلّ ـ وهذا هو المطلوب.

فإن قيل: ترك ذكره من أجل بيان نقص الدجال بكونه أعور.

قلنا: يمكن أن يذكر مع بيان نقص الدجال فيجمع بين الأمرين حتى لا يفوت ذكر كمال صفة الله ـ عزّ وجلّ ـ.

واعلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذكر هذه العلامة الحسية ليبين نقص الدجال، وأنه ليس بصالح لأن يكون رباً، ولظهورها لجميع الناس لكونها علامة حسية بخلاف العلامات العقلية، فإنها قد تحتاج إلى مقدمات تخفى على كثير من الناس، لا سيما عند قوة الفتنة، واشتداد المحنة، كما في هذه الفتنة فتنة الدجال، وكان هذا من حسن تعليمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث يعدل في بيانه إلى ما هو أظهر وأجلى مع وجود علامات أخرى.

وقد ذكر ابن خزيمة ـ رحمه الله ـ في "كتاب التوحيد" (ص31) حديثاً ساقه في ضمن الأدلة على أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أن لله ـ تعالى عينين ـ، فساقه بسنده إلى أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه يقرأ قوله ـ تعالى ـ:"إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا" إلى قوله: "سَمِيعاً بَصِيراً" فيضع إبهامه على أذنه، والتي تليها على عينه. ويقول: هكذا سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرؤها ويضع أصبعيه.

وقد سبقت رواية الدارمي له بلفظ التثنية، وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح (ص373/ 13 ـ ط: خطيب) أن البيهقي ذكر له شاهداً من حديث عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول على المنبر: "إن ربنا سميع بصير، وأشار إلى عينيه" وسنده حسن ا. هـ.

وقد ذكر صاحب مختصر الصواعق (ص359 ـ ط: الإمام)، قبيل المثال السادس حديثاً عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إن العبد إذا قام إلى الصلاة فإنه بين عيني الرحمن". الحديث لكنه لم يعزه، فلينظر في صحته.

وبهذا تبين وجوب اعتقاد أن لله ـ تعالى ـ عينين؛ لأنه مقتضى النص، وهو المنقول عن أهل السنة والحديث.

فإن قيل: ما تصنعون بقوله تعالى: "أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا". وقوله: "تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا" حيث ذكر الله ـ تعالى ـ العين بلفظ الجمع؟

قلنا: نتلقاها بالقبول والتسليم، ونقول: إن كان أقل الجمع اثنين ـ كما قيل به إما مطلقاً أو مع الدليل ـ فلا إشكال لأن الجمع هنا قد دل الدليل على أن المراد به اثنتان فيكون المراد به ذلك، وإن كان أقل الجمع ثلاثة فإننا نقول جمع العين هنا كجمع اليد في قوله تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً". يراد به التعظيم والمطابقة بين المضاف والمضاف إليه، وهو ـ نا ـ المفيد للتعظيم دون حقيقة العدد، وحينئذ لا يصادم التثنية.

فإن قيل: فما تصنعون بقوله تعالى يخاطب موسى: "وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي". حيث جاءت بالإفراد؟

قلنا: لا مصادمة بينها وبين التثنية، لأن المفرد المضاف لا يمنع التعدد فيما كان متعدداً، ألا ترى إلى قوله تعالى: "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا". وقوله تعالى: "وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ". فإن النعمة اسم مفرد، ومع ذلك فأَفرادها لا تحصى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير