قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل النور في القلب انشرح وانفسح) , قيل: وما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: (التجافي عن دار الغرور , و الإنابة إلى دار الخلود , والاستعداد للموت قبل نزوله).
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من تجافى عن الدنيا نور الله قلبه.
وقال حارثة حين سأله النبي صلى الله عليه وسلم: ما حقيقة إيمانك؟ قال: عزفت بنفسي عن الدنيا , فأظمأت نهاري , وأسهرت ليلي , وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا , وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون , وإلى أهل النار يتعادون.
فأخبر أنه لما عزف عن الدنيا نور الله قلبه , فكان ما غاب عنه بمنزلة ما يشاهده. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن ينظر إلى عبد نور الله قلبه فلينظر إلى حارثة , فأخبر أنه منوّر القلب.
وسميت هذه الطائفة نورية لهذه الأوصاف.
وهذا أيضا من أوصاف أهل الصفة , قال الله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}.
والتطهر بالظواهر عن الأنجاس , وبالبواطن عن الأهجاس.
وقال الله تعالى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله}. ثم لصفاء أسرارهم تصدق فراستهم.
قال أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله).
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ألقى في روعي أن ذا بطن بنت خارجة , فكان كما قال.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الحق لينطق على لسان عمر).
وقال أبو أويس القرني لهرم بن حيان حين سلم عليه: وعليك السلام يا هرم بن حيان , ولم يكن رآه قبل ذلك , ثم قال له: عرف روحي روحك.
وقال أبو عبد الله الأنطاكي: إذا جالستم أهل الصدق فجالسوهم بالصدق فإنهم جواسيس القلوب يدخلون في أسراركم ويخرجون من هممكم.
ثم من كان بهذه الصفة من صفوة سره وطهارة قلبه ونور صدره فهو في الصف الأول , لأن هذه أوصاف السابقين.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب) ثم وصفهم وقال: (الذين لا يرقون و لا يسترقون , ولا يكوون ولا يكتوون , وعلى ربهم يتوكلون).
فلصفاء أسرارهم , وشرح صدورهم , وضياء قلوبهم: صحت معارفهم بالله , فلم يرجعوا إلى الأسباب ثقة بالله عز وجل , وتوكلا عليه , ورضا بقضائه.
فقد إجتمعت هذه الأوصاف كلها , ومعاني هذه الأسماء كلها في أسامي القوم وألقابهم , وصحت هذه العبارات وقربت هذه المآخذ.
وإن كانت هذه الألفاظ متغيرة في الظاهر , فإن المعاني متفقة لأنها إن أخذت من الصفاء والصفوة كانت صوفية.
وإن أضيفت إلى الصف أو الصفة كانت صَفيّة أو صُفيّة , ويجوز أن يكون تقديم الواو على الفاء في لفظ الصفية أو الصُّفية إنما كانت من تداول الألسن.
وإن جعل مأخذه من الصوف: استقام اللفظ , وصحت العبارة من حيث اللغة.
وجميع المعاني كلها من التخلي عن الدنيا وعزوف النفس عنها وترك الأوطان ولزوم الأسفار , ومنع النفوس حظوظها , وصفاء المعاملات , وصفوة الأسرار , وانشراح الصدور وصفة للسباق.
وقال بندار بن الحسين: الصوفي من اختاره الحق لنفسه فصافاه , وعن نفسه برأه , ولم يرده إلى تعمّل وتكلف بدعوى.
وصوفي على زنة عوفي , أي عافاه الله فعوفي وكوفي , أي كافاه الله فكوفي , وجوزي , أي جازاه الله , ففعل الله به ظاهر في اسمه والله المتفرد به).
هذا ما تخبط به الكلاباذي من الخلط والغلط قطع النظر عن ضعف أكثر الروايات التي ساقها وسردها.
ويكتب من الصوفية المتقدمين أبو العباس أحمد بن زروق في كتابه قواعد التصوف: وقد كثرت الأقوال في اشتقاق التصوف , وأمسى ذلك بالحقيقة خمسة.
الأول: قول من قال: من الصوفة , لأنه مع الله كالصوفة المطروحة لا تدبير له.
الثاني: أنه من صوفة القفا , للينها , فالصوفي هيّن ليّن كهي.
الثالث: أنه من الصفة , إذ جعلته اتصاف بالمحاسن وترك الأوصاف المذمومة.
الرابع: أنه من الصفاء , وصحح هذا القول حتى قال أبو الفتح البستي رحمه الله:
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا وظنه البعض مشتقا من الصوف
ولست أمنح هذا الاسم غير فتى صافي فصوفي حتى سمى الصوفي
¥