{قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ}.
ونقل عن مصطفاه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
{وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ}.
وقال نبيه مخاطبا إياه:
{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي و َلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ}.
والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا , والأحاديث النبوية كذلك.
ولكن القوم يقولون عكس ذلك متأثرين بالتشيع , وآخذين أفكارهم ومعتقداتهم , فيقول القشيري في بيان درجات السلوك:
(ثم في خلال هذه الأحوال قبل وصوله إلى هذا المقام الذي هو نهاية كان يرى جملة الكون يضيء بنور كان له حتى لم يخف من الكون عليه شيء وكان يرى جميع الكون من السماء والأرض رؤية عيان ولكن بقلبه , وكان لا يرى في هذا الوقت بعين لأنه شيء ولكن لم يكن هذه رؤية علم , بل لو تحرك في الكون ذرة أو نملة).
ونقل الكلاباذي عن أبي عبد الله الأنطاكي أنه قال:
(إذا جالستم أهل الصدق فجالسوهم بالصدق , فإنهم جواسيس القلوب , يدخلون في أسراركم , ويخرجون من هممكم).
ويقول ابن عجيبة الحسني:
(إن الحق سبحانه قسّم الخلق قسمين وفرقهم فرقتين: قسم اختصهم بمحبته , وجعلهم من أهل ولايته , ففتح لهم الباب , وكشف لهم الحجاب , فأشهدهم أسرار ذاته , ولم يحجبهم عنه بآثار قدرته).
فإذا كشف الحجاب , وفتح لهم الباب (علم العوالم بأجمعها على ما هي عليه من تفاريعها من المبدأ إلى المعاد وعلم كل شيء , كيف كان؟ وكيف هو كائن؟ وكيف يكون؟ وعلم ما لم يكن , ولم لا يكون ما لم يكن؟ ولو كان ما لم يكن كيف كان يكون؟ كل ذلك علماً أصليا حكيما كشفيا ذوقيا من ذاته لسريانه في المعلومات علما إجماليا تفصيلاً كليا جزئيا مفصلا في إجماله ... ومنهم من تجلى الله عليه بصفة السمع فيسمع نطق الجمادات والنباتات والحيوانات , وكلام الملائكة واختلاف اللغات , وكان البعيد عنه كالقريب).
وقال عماد الدين الأموي:
(إذا انكشفت الحجب عن القلب تجلى فيه شيء مما هو مستور في اللوح المحفوظ , ولمع في القلب من وراء ستر الغيب شيء من غرائب العلم).
وأيضا: (يشرف على الملكوت الأعظم , ويرى عجائبه , ويشاهد غرائبه , مثل اللوح , والقلم , واليمين الكاتبة , وملائكة الله تعالى يطوفون , حول العرش يسبحون بحمد ربهم , وبالبيت المعمور , ويسبحونه ويقدسونه , ويفهم كلام المخلوقين من الحيوانات والجمادات , ثم يتخطى منها إلى معرفة الخالق للكل والمالك للكل فتغشاهم الأنوار , وتتجلى لقلوبهم الحقائق).
ويقول الدباغ وهو يذكر بعض ما يشاهده المفتوح عليه وهو الولي عنده , فيقول:
(أما في المقام الأول فإنه يكاشف فيه بأمور , منها: أفعال العباد في خلواتهم.
ومنها: مشاهدة الأرضين السبع والسموات السبع , ومنها مشاهدة النار التي في الأرض الخامسة , وغير ذلك مما في الأرض والسماء ... ومن الأشياء التي يشاهدونها: اشتباك الأرضين بعضها ببعض , وكيف تخرج من أرض إلى أرض أخرى , وما تمتاز به أرض عن أرض أخرى , والمخلوقات التي في كل أرض.
ومنها: مشاهدة اشتباك الأفلاك بعضها ببعض , ما نسبتها من السموات وكيف وضع النجوم التي فيها.
ومنها: مشاهدة الشياطين وكيف توالدها.
ومنها: مشاهدة الجن وأين يسكنون؟
ومنها: مشاهدة سير الشمس والقمر والنجوم ... وأما ما يشاهده في المقام الثاني فإنه يكاشف بالأنوار الباقية كما كوشف في المقام الأول بالأمور الظلمانية الفانية , فيشاهد في المقام الملائكة والحفظة والديوان والأولياء الذين يعمرونه ... وأما المقام الثالث فإنه يشاهد فيه أسرار القدر في تلك الأنوار المتقدمة.
وأما المقام الرابع فإنه يشاهد فيه النور الذي ينبسط عليه الفعل , وينحل فيه كانحلال السمّ في الماء , فالفعل كالسم والنور كالماء ... وفي المقام الخامس يشاهد انعزال الفعل عن ذلك النور , فيرى النور نورا , والفعل فعلا ... والمفتوح عليه لا يغيب عليه ما في أرحام الأنثى فضلا عن غيره).
وكان الدباغ هذا يرى أيضا أن المتصوفة لا يعرفون الغيب فحسب , بل يعرفون الغيوب الخمسة التي ذكرها الله تعالى في محكم كتابه أنه لا يعلمها أحد غيره بقوله:
¥