وهؤلاء قايمون في العالم على سبيل البدل , في كل زمان , ولا يزيد عددهم ولا ينقص إلى يوم القيامة. وغيرهم من الأولياء يزيدون وينقصون , بحسب ظهور التجلي الإلهي وخفائه. وبعدهم: مرتبة الزهاد والعبّاد والعلماء من المؤمنين , الكائنين في كل زمان إلى يوم الدين. وجميع هؤلاء المذكورين , داخلون في حكم القطب.
والأفراد الكمّل , الذين تعادل مرتبتهم مرتبة القطب إلا في الخلافة , هم الخارجون من حكمه. فإنهم يأخذون من الله , سبحانه , ما يأخذون من المعاني والأسرار الإلهية بخلاف الداخلون في حكمه , فإنهم لا يأخذون شيئا إلا منه).
وقد ذكرهم المستشرق الفرنساوي ماسينيون بقوله:
(ويزعم الصوفية أن العالم يدوم بقاؤه بفضل تدخل طبقة من الأولياء المستورين عددهم محدود , وكلما قبض منهم واحد خلفه غيره , ورجال الغيب هم: ثلاثمائة من النقباء , وأربعون من الأبدال , وسبعة أمناء , وأربعة عمد , ثم القطب , وهو الغوث).
فهذه المراتب والترتيب والأعداد لم يأخذها المتصوفة إلا من الشيعة أيضا , وخاصة من الشيعة الإسماعيلية والنصيرية كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في رسائله وفتاواه:
(وأما الأسماء الدائرة على ألسنة كثير من النساك والعامة مثل الغوث الذي يكون بمكة , والأوتاد الأربعة , والأقطاب السبعة , والأبدال الأربعين , والنجباء الثلاثمائة , فهذه الأسماء ليست موجودة في كتاب الله , ولا هي أيضا مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح ولا ضعيف محتمل , إلا لفظ الأبدال فقد روي فيهم حديث شامي منقطع الإسناد عن علي بن أبي طالب مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن فيهم – يعني أهل الشام – الأبدال أربعين رجلا , كلما مات رجل أبدله الله مكانه رجلا: ولا توجد هذه الأسماء في كلام السلف كما هي على هذه الترتيب .... وهذا من جنس دعوى الرافضة أنه لا بد في كل زمان من إمام معصوم يكون حجة الله على المكلفين لا يتم الإيمان إلا به , ثم مع هذا يقولون: أنه كان صبيا دخل السرداب من أكثر من أربعمائة وأربعين سنة , ولا يعرف له عين ولا أثر , ولا يدرك له حس ولا خبر.
وهؤلاء الذين يدعون هذه المراتب فيهم معناها للرافضة من بعض الوجود , بل هذا الترتيب والاعتداد يشبه من بعض الوجوه ترتيب الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم في السابق والتالي والناطق والأساس والحدّ وغير ذلك من الترتيب الذي ما أنزل الله به من سلطان).
وبذلك قال ابن خلدون في هذا الخصوص , والمسائل الأخرى التي ذكرناها بأن المتصوفة أخذوها من التشيع , فيقول:
(إن هؤلاء المتأخرين من المتصوفة المتكلمين في الكشف وفيما وراء الحس توغلوا في ذلك فذهب الكثير منهم إلى الحلول والوحدة كما أشرنا إليه وملأوا الصحف من مثل الهروي في كتاب المقامات له وغيره وتبعهم ابن عربي وابن سبعين وتلميذهما ابن العفيف وابن الفارض والنجم الإسرائيلي في قصائدهم وكان سلفهم مخالطين للإسماعيلية المتأخرين من الرافضة الدائنين أيضا بالحلول و إلهية الأئمة مذهباً لم يعرف لأولهم فأشرب كل واحد من الفريقين مذهب الآخر واختلط كلامهم وتشابهت عقائدهم وظهر في كلام المتصوفة القول في القطب ومعناه رأس العارفين يزعمون أنه لا يمكن أن يساويه أحد في مقامه في المعرفة حتى يقبضه الله ثم يورث مقامه لآخر من أهل العرفان وقد أشار إلى ذلك ابن سينا في كتاب الإشارات في فضول التصوف منها فقال جل جناب الحق أن يكون شرعه لكل وارد أو يطلع عليه إلا الواحد بعد الواحد وهذا كلام لا تقوم عليه حجة عقلية ولا دليل شرعي وإنما هو من أنواع الخطابة وهو بعينه ما تقوله الرافضة ودانوا به ثم قالوا بترتيب وجود الأبدال بعد هذا القطب كما قاله الشيعة في النقباء).
¥