تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلك الحديث الآخر وهو قوله: (ما خلق الله من سماء ولا أرض ... ) فإن هذا لا يؤثر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أصلاً، ولكن يؤثر عن ابن مسعود -رضي الله عنه- نفسه.

وقد ثبت عن ابن مسعود -رضي الله عنه- بنقل العدول أنه قال: "من حلف بالقرآن فعليه بكل آية يمين، ومن كفر بحرف منه فقد كفر به أجمع".

وقد اتفق المسلمون على أن الكفارة لا تجب بما يخلقه في الأجسام، فعلم أن القرآن كان عند ابن مسعود صفة لله، لا مخلوقاً له.

وإن معنى ذلك الأثر: أنه ليس في الموجودات المخلوقة ما هو أفضل من آية الكرسي لأنها هي مخلوقة كما يقال: الله أكبر من كل شيء، وإن كان ذلك الكبير مخلوقاً، و الله تعالى ليس بمخلوق.

وبذلك فسر الأئمة قول ابن مسعود. ذكر الخلال في كتاب السنة عن سفيان ابن عيينة أنه ذكر هذا الحديث الذي يروى: (ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا جبل أعظم من آية الكرسي) قال ابن عيينة: هو هكذا: (ما خلق الله من شيء إلا وآية الكرسي أعظم مما خلق).

وروى الخلال عن أبي عبيد قال: وقد قال رجل: ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي أفليس يدلك على أن هذا مخلوق؟

قال أبو عبيد: إنما قال: (ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي)، فأخبر الله: أن السماء والأرض أعظم من خلقه، وأخبر أن آية الكرسي التي هي من صفاته أعظم من هذا العظيم المخلوق.

[يقول أبو عمر العتيبي: يعني أبو عبيد -رحمه الله- بقوله: فأخبر الله: أن السماء والأرض أعظم من خلقه. قوه تعالى: {لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون} سورة غافر (آية/57)]

وروى عن أحمد بن القاسم قال: قال أبو عبد الله: هذا الحديث: (ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا كذا أعظم) فقلت لهم: إن الخلق ههنا وقع على السماء والأرض وهذه الأشياء لا على القرآن لأنه قال: (ما خلق الله من سماء ولا أرض) فلم يذكر: خلق القرآن ههنا.

وقال البخاري في كتاب "خلق الأفعال": وقال الحميدي حدثنا سفيان حدثنا حصين عن مسلم بن صبيح عن شتير بن شكل عن عبد الله قال: (ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا جنة ولا نار أعظم من: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم})، قال سفيان: تفسيره: إن كل شيء مخلوق، والقرآن ليس بمخلوق، وكلامه أعظم من خلقه ن لأنه إنما يقول للشيء: {كن فيكون}، فلا يكون شيء أعظم مما يكون به الخلق، والقرآن كلام الله.

وأما تأويلهم أن السلف امتنعوا من لفظ الخلق لدلالته على الافتراء، فألفاظ السلف منقولة عنهم بالتواتر عن نحو خمسمائة من السلف؛ كلها تصرح بأنهم أنكروا الخلق الذي تعنيه الجهمية؛ من كونه مصنوعاً في بعض الأجسام، كما أنهم سألوا جعفر بن محمد عن القرآن: هل هو خالق أو هو مخلوق؟

فقال: (ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله)،

ومثل قول علي -رضي الله عنه- لما قيل له: حكمت مخلوقاً فقال: (ماحكمت مخلوقاً وإنما حكمت القرآن)، وأمثال ذلك مما يطول ذكره.

والمقصود هنا أن السلف اتفقوا على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وهذا الذي أجمع عليه السلف ليس معناه ما قالته المعتزلة، ولا ما قالته الكلابية، وهذا الرازي: ادعى الإجماع! وإجماع السلف ينافي ما ادعاه من الإجماع، فإن أحدا من السلف لم يقل هذا، ولا هذا، فضلاً عن أن يكون إجماعاً.

ويكفي أن يكون اعتصامه في هذا الأصل العظيم بدعوى إجماع، والإجماع المحقق على خلافه، فلو كان فيه خلاف لم تصح الحجة، فكيف إذا كان الإجماع المحقق السلفي على خلافه؟!!].

انتهى كلام شيخ الإسلام -رحمه الله-.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد. .

كتبه: أبو عمر أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي الفلسطيني

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير