فإذا لم يثبت أن هذا القول أوالفعل أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب والسنة فإنه لا يحل لأحد أن يحكم بأنه كفر لأن ذلك من القول على الله بلا علم وقد قال الله تعالى: " قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " وقال: " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كأن عنه مسئولا ".
وإذا لم يثبت قيامه بالمكلف فإنه لا يحل أن يرمى به بمجرد الظن لقوله تعالى: " ولا تقف ما ليس لك به علم " الآية ولأنه يؤدي إلى استحلال دم المعصوم بلا حق.
وفي الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أيما أمري قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه " هذا لفظ مسلم.
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله وسلم يقول: " لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك " أخرجه البخاري ولمسلم معناه.
وإذا لم تبلغه الحجة فإنه لا يحكم بكفره لقوله تعالى: [وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ] وقوله تعالى: [وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم أياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون] وقوله تعالى: [إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده] إلى قوله تعالى [رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيماً] وقوله تعالى: [وما كن معذبين حتى نبعث رسولا].
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يعني أمة الدعوة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار "
لكن إن كان لم تبلغه الحجة لا يدين بدين الإسلام فإنه لا يعامل في الدنيا معاملة المسلم واما في الآخرة فاصح الأقوال فيه أن أمره إلى الله تعالى.
وإذا تمت هذه الشروط الثلاثة أعني ثبوت أن هذا القول أو الفعل أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب والسنة وأنه قام بالمكلف، وأن المكلف قد بلغته الحجة ولكن وجد مانع التكفير في حقه فإنه لا يكفر لوجود المانع.
فمن موانع التكفير:
الإكراه فإذا أكره على الكفر فكفر وكان قلبه مطمئنا بالإيمان لم يحكم بكفره لوجود المانع وهو الإكراه قال الله تعالى: [من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم].
ومن موانع التكفير:
أن يغلق على المرء قصده فلا يدري ما يقول لشدة فرح أو حزن أو خوف أو غير ذلك لقوله تعالى: [وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبهم وكان الله غفورا رحيما].
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فايس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ خطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأن ربك أخطأ من شدة الفرح "
فهذا الرجل أخطأ من شدة الفرح خطأ يخرج به عن الإسلام لكن منع من خروجه منه أن أغلق عليه قصده فلم يدر ما يقول من شدة الفرح فقصد الثناء على ربه لكنه من شدة الفرح أتى بكلمة لو قصدها لكفر.
فالواجب الحذر من إطلاق الكفر على طائفة أو شخص معين حتى يعلم تحقيق شروط التكفير في حقه وانتفاء موانعه.
إذا تبين ذلك فإن الشيعة فرق شتى ذكر السفاريني في شرح عقيدته أنهم أثنتان وعشرون فرقة وعلى هذا يخلف الحكم فيهم بحسب بعدهم من السنة فكل من كان عن السنة أبعد كان إلى الظلال أقرب.
ومن فرقهم الرافضة الذي تشيعوا لأمير المؤمنين على بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم جميعا تشيعا مفرطا في الغلو لا يرضاه علي بن أبي طالب ولا غيره من أئمة الهدى كما جفوا غيره من الخلفاء جفاء مفرطا ولا سيما الخليفتان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقد قالوا فيهما شيئا لم يقله فيهما أحد من فرق الأمة.
¥